ريحانة
علمتنا الحياة أن نعانق أسرارنا، نضغط عليها وتضغط علينا، حتى تمزق أضلعنا ونفقد وزن قصيدتنا الخاصة وتغدو بلحن مختل. نتركها لنبدأ قصيدة أخرى ببيت قويّ يلخّص كل ما مررنا به، بيت من قوته تصبح كل أبيات القصيدة بعده بلا مغزى ولا معنى، لنكتشف أنّا قد وقعنا في زيف قصيدة أخرى مختلة. وقع الأحداث في حياتنا يا ريحانة هو ذلك البيت القوى، دونه لا معنى للحياة، فمقدار أعمارنا هو مقدار الأحداث في حياتنا.
ريحانة الطفلة
تظل تلك الطفلة التي تربت في كنف أبيها وأمها تزين غرفتها الخاصة باللون الوردي، وتبكي إذا لم تحصل على لعبتها المفضلة، في عمر أصغر من تلك التي فارقها الأب دفاعًا عن قضيته، واتشحت أمها بالسواد، وانعقد لسانها إلا عن أبيات الحماسة والجهاد، تخبرها عن بطولات الأجداد. أنت من هؤلاء الذين تعلقت أرواحهم الطفلة بين ثرثرة الكبار. ووقع عليهم الاختيار ليروا قبح هذا العالم، وفطنت قبلنا أن الحل أحيانًا في الرحيل. لا أعرف تفصيليًا كيف مررت بقصيدتك الخاصة.. ولكني أيقنت في رسالتك الأخيرة لأمك أن كل بيت فيها قصيدة منفردة. لحن دافئ يلخّص معاناتك ويهوّن عليها فراقك في آن واحد.
قالت ريحانة
قالت ريحانة: “تعلَّمت منكِ وأنا أخطو إلى المدرسة أن أتحلَّى بالأخلاق الرفيعة في مواجهة الشجار والشكوى. هل تذكرين إلى أي حدٍ كنتِ تشددين على الطريقة التي يجب أن نتصرف بها؟ لقد كانت تجربتك خاطئة. حين وقعت الواقعة، لم تساعدني مبادئي”. هكذا أخبرت ريحانة أمها أن تربيتها لم تلائم هذا العالم الوقح القبيح. ربما ليست من الحكمة أن نؤمّن أبناءنا من المخاطر. ربما لا يجب علينا أن نزيّن لهم أحلامهم بالورود.. وأن نضع عليها بعضًا من الأرواح الشريرة.. ربما لا يجب أن نكذب عليهم ونخبرهم أن الخير دائمًا ينتصر في هذه الدنيا.
أبنائي الأعزاء إن مررتم يومًا على هذي الكلمات فأريدكم أن تعرفوا، أنكم إن ظٌلِمتم يومًا في هذه الدنيا أو هزمتم شر هزيمة أو طغى عليكم العالم بقبحه وشره.. فليس بالضرورة أن تنتصروا لأنكم تحملون سلاح الخير.. فقط ستموتون بشرف، ولكم القصاص في الآخرة.. وحسبكم ذلك. وأنتِ يا ريحانة.. من وجهة نظري.. قد كنتِ واحدة من هؤلاء الذين ركبوا في سفينة نوح.. أنتِ واحدة من هؤلاء الذين نجوا من قبح العالم وزيفه.. فهنيئًا لك.. وحسبك ذلك.