بخاف أتكلم عنها مع إنها سر الحياة

474

ها.. واحد اتنين تلاتة! يلا بقى نكتب؟ إحنا قولنا إيه خلاص مفيش كسوف

أقولها وأنا أسحب نفسًا عميقًا لتشجيع نفسي على الكتابة، يبدو الأمر بلا تأثير، فهنا أنا لليوم الخامس على التوالي أجلس أمام جهاز “اللاب توب” بلا قدرة على خط حرف واحد عنها. “الدورة”، “البريود”، “العادة”، “الحيض”.. أسماء أكتبها وأنا قلقة، فهل بإمكاني الحديث عنها حقًا دون شعور بخوف أو خجل اعتادته نفسي منذ الصغر؟ لقد صار الأمر كأنه جبل أو سد منيع لا أستطيع تجاوزه، فهي مصدر كل الآلام للنساء، وهي عيب لا يجوز الحديث عنه أمام جنس الرجال، بل وأحيانًا أمام بعض النساء.

نظرة إلى عيني طفلي الصغير الضاحكتين والبريئتين، تجعلني أتساءل كيف يتم التعامل معها بهذا المنطق الغريب، بهذا التخويف منها، تلك الخرافات حولها، ذلك الكره أحيانًا تجاهها، رغم أنها أصل الحياة، هي أصل تلك المخلوقات البريئة التي تحبو حولنا فتمتلك قلوبنا طوال الوقت سواء كنا رجالاً أو نساءً.

في البداية مشاعري تجاهها كانت الكره بسبب تلك الآلام الشديدة التي تصيبني والتي -لضعف جسدي- تجعلني غير قادرة على الحركة، فصارت عادتي أن أدخل إلى الشرفة وأبدأ حديثي مع الله الذي ينتهي بسؤال “لماذا خلقتني امرأة؟ طب أنا مش هسأل ليه خلقتني ست، لماذا كل تلك الآلام التي لا أتحملها والتي بلا نهاية؟!”.

كان عقلي الصغير وقتها لا يرى سوى عقوبة وضعها الله على جنس النساء وحدهن، خصوصًا عندما كنت أرى شكاوى قريباتي من الآلام والضيق الذي يصيبهن، زاد من الأمر بعض الخرافات التى أسمعها مثل “تجنبي الاستحمام وقتها، فلا حاجة لك بذلك إلا بعد انتهائها”، أو تلك الخرافة الأخرى “اوعى تمشي حافية، أو تشربي مية ساقعة”.

أكثر ما أتذكره وجعلني أكرهها في هذا الوقت، هو رفض عائلتي لقيادة الدراجات “فقد كبرت الآن”، ولا يصح قيادة دراجة في الشارع، حتى لو كان ذلك مسموحًا لبنت خالتي على سبيل المثال. وتلك الهمسات بين الفتيات في الفصل -الصف الأول الإعدادي- عندما جاءت إحدى حملات التوعية عنها، وضحكاتهن الساخرة واللاذعة من صديقتي التي سألت كيف تتعامل معها عندما تأتي لها، وكأنها فعلت جريمة، فترسخ لديَّ أن الحديث عنها شيء محرم قد يجلب عليَّ السخرية.

ثم كان الخجل منها، فأرفض أن يشتري لي “الفوط الصحية” أي فرد من العائلة حتى لا يعلموا أنها جاءت، وإذا ذهبت للصيدلي أتحدث بصوت خفيض جدًا يكاد يقترب من الهمس، لدرجة أنه يطلب مني تكرار ما قلته، وقبل أن أغادر أصر أن يلف العلبة في ورق جرائد حتى لا يراني أحد في الشارع.

بعدها تحول الأمر إلى فوبيا، فأنا فعليًا أخاف الحديث عنها. في الثانوية، الفترة التي تحاول كل فتاة اكتشاف أنوثتها، أهجر التجمعات التي تعقدها الفتيات للحديث بشأن الأمور النسائية. وفي الكلية أترك صديقاتي عندما يفتحن الحديث عنها، خلال عملي أصمت عندما يتحدثن عنها، وعندما أستمع إلى شكوى صديقاتي من الألم الذي يصيبهن، أبتسم بلطف حتى أغلق هذا الحديث تمامًا.

عندما أتأمل نفسي ومشاعرها في هذا الوقت أكتشف أن السبب هو عدم وجود أي معلومات لديَّ عنها، سوى أنني يمكنني تناول بعض المسكنات -كانت ترفضها أمي في الغالب- لم يكن هناك توعية بتلك التغييرات المزاجية التي تصيب المرأة، ولم يكن هناك ذلك التدرج في تعليم فتاة صغيرة اكتشفت فجأة أنها نضجت وعليها التصرف كالكبار، لم يكن هناك حالة التفهم لتلك الآلام الضخمة التي تجعلني عاجزة عن الحركة فعليًا، ففط تلك الجملة “اجمدي.. ما كل البنات كده”.

أتذكر بعد ملاحظة ساخرة مني على تغير مزاجها بين الحين والآخر، والذي كاد يتسبب في شجار حاد بيننا، تدرك إحدى صديقاتي ذلك التابوه الذي أخافه وتحاول كسره

مرة تهتم بسرد كل التغيرات النفسية التي تحدث للمرأة في تلك الفترة، مصدرها طبيبتها الخاصة، ومرة أخرى تطلب مني أن أكون “حنينة على نفسي” كما يحن الله علينا، ومرة تخبرني بخبر حصول بعض العاملات في إحدى المقاطعات الصينية على إجازة مدفوعة الأجر أثناء الطمث إذا شعرن بآلام شديدة، ثم تسألني: “هل أدركت أن العيب عندنا في ثقافتنا، وليس في الله أو حتى في العالم من حولنا؟!”.

لكن التابوه لم يُهدم بشكل نهائى إلا مع تلك الصرخة التي سمعتها من رضيعي وأنا أضمه إلى صدري بعد خروجه من رحمي مباشرة، وتلك اللهفة بداخلي أن أراه وألمسه وأنا ما زلت تحت تأثير المخدر في غرفة العمليات والطبيب يقطب الجرح الغائر في رحمي الذي سيصاحبني حتى الموت، أما دموعي فقد كانت تنساب وقتها دون سبب سوى أنني أدركت أن ذلك الرحم وما يحمله من دماء نخاف ونخجل منها، بل وأحيانًا نكرهها هو سر الحياة، بل هو الحياة نفسها.

المقالة السابقةحبوب الفطور للاطفال: فوائدها وأضرارها وكيف يتم عملها
المقالة القادمةرسالة لكل أم جديدة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا