فصول الحياة ومواسمها

665

 

بقلم: سارة سكر

 

عندما يقارب فصل على الانتهاء، ويقترب فصل جديد من فصول السنة؛ نجد الخلاف يظهر واضحًا وجليًا على أرصفة مواقع التواصل الاجتماعي باختلاف شوارعها، ما بين جد ساخر، أو هزار جاد. فمثلًا مع انتهاء فصل الصيف وبداية نسمات الشتاء الباردة، تجد أحدهم يودع بأسف الصيف بانطلاقه وحريته، متذمرًا على بشائر البرودة المتوقعة، والليل الطويل الآتي بظلامه المبكر والأمطار التي تغرق البلاد! وتجد آخر متحمسًا لوداع نفس الصيف بحره وارتفاع حرارة شمسه ورائحة عرقه، ومستقبلًا -بكل الترحاب- نفس الشتاء بهدوئه ولسعته الباردة وأمطاره، بل وصقيعه وثلجه أحيانًا!

وهذا -إن قال لنا شيئًا- يقول كم نحن مختلفون وأذواقنا وآراؤنا مختلفة! وسيقول أيضًا عن التنوع والاختلاف من حولنا والتغيير المستمر بلا توقف! فمنذ خلق الله الأرض، خلقها بفصولها الأربعة: الشتاء، والربيع، والصيف، والخريف. كل فصل له ما يميزه عن باقي الفصول، وله منافعه بما تفيض به الأرض من ثمار وحصاد، وله أيضًا ما يلزمه للوقاية وللتعايش معه حتى يمر!

فصول ومواسم السنة متتالية متتابعة بلا توقف؛ فانتهاء فصل لا يعني وداعه للأبد، بل نودعه ويودعنا على موعد جديد السنة القادمة. واستقبال فصل جديد لا يعني دوامه واستمراره معنا للأبد أيضًا، بل يزورنا ونحن متأكدون أن دوامه محال، لكنه فقط سيقضي معنا بعض الوقت ويمضي في حال سبيله مثل أخيه السابق.

ومثل فصول السنة المتغيرة أؤمن أن كل زاوية من زوايا الحياة تخضع لفصول ومواسم أيضًا: العلاقة مع النفس، والعلاقة مع الله، والعلاقة مع آخر، والحب، والكره، والغنى، والفقر، والنجاح، والفشل.. إلخ. كل وأي شيء تفكر فيه ستجده خاضعًا لقانون التغير والتبدل من حال لحال، كما فصول السنة ومواسمها.

زاوية العلاقات من أكثر زوايا الحياة التي يتجلى فيها قانون المواسم بوضوح، لا تخطئه العين ولا يتخطاه القلب بسهولة؛ خاصةً مع العلاقات القريبة الغالية. فاحتياج نفوسنا لها لا يقل أهميةً عن احتياج أجسادنا للملابس الثقيلة والبيوت الدافئة في مواسم الشتاء قارسة البرودة. والمفتقر لهذا النوع من العلاقات أكثر فقرًا من فقير المال. فهذه العلاقات ونس دفيء، نلتحف بها لنقدر على مواجهة ظروف الحياة القاسية وبرودة أيامها وصقيع أحوالها.

لكن على الجانب الآخر، فالعلاقات أيضًا هي كأوراق الشجر. وكما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، يأتي الخريف بما لا تشتهي الأشجار. أعرف أنك الآن تتذكر علاقات سقطت ومضت في موسم خريفها، رغم أنك كنت تظن أنها علاقات معنية بالاستمرار للأبد! كنت تظنها جذورًا، ومع الوقت والمحكات العملية اكتشفت أنها ليست جذورًا! بل مجرد فروع وأغصان تكسرت بسبب الزوابع، وأوراق تطايرت مع هبوب الرياح وسقطت وسارت في حال سبيلها! أعرف الوجع الذي عانيته وحيدًا، فتخلي هذه العلاقات عنا يتركنا بأوجاع القلب القاسية؛ مثلما تترك الأوراق أشجارها عارية. وبعد تساقط أوراق العلاقات في الخريف، يأتي الشتاء بوحدته وظلامه وطول ليله الكئيب. لكني أعرف أيضًا أنه مهما طالت فصول الخريف والشتاء، حتمًا سيأتي بعدها الربيع بزهوره المتفتحة وشمسه الساطعة وألوانه المبهجة. قد لا يأتي الربيع على نفس العلاقة، لكنه يأتي في علاقات أخرى. انظر لها باعتبارها باقة ورود مرسلة لي مع هدايا السماء.

وكما في مواسم العلاقات ينطبق الأمر نفسه على فصول ومواسم النجاح والفشل، الغنى والفقر. حينما تشرق الحياة وحينما تحجبها الغيوم الثقيلة، وقتما تتفتح ورودها ووقتما تذبل، عندما تنفتح أمامك الأبواب مرحبةً وعندما تنغلق في وجهك عاصفة. فكِّرْ فيما تعبر به الآن وتشعر بعدم الرضا عنه، وقُل لنفسك: “يا نفسي اهدئي واصبري؛ إنه موسم وسيمضي، لن يستمر للأبد. لكن بالتأكيد به دروس عليَّ تعلمها، أمور أكتسبها وأخرى أتركها وأتخلى عنها. لا تستعجلي هذا الموسم ليمضي يا نفسي؛ فمضيه يعني مضي جزء من حياتك. ما الذي يمكنكِ اكتسابه في هذا الموسم الصعب، والذي سيستمر معكِ في الموسم القادم؟”.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

المقالة السابقة“أنا مش كامل .. طيب أنت مين؟”
المقالة القادمةماذا لو.. ماتت الألوان؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا