دروس تعلمتها من أجل التخلص من ضغوط العمل

944

المشهد الأول: نهار داخلي

ما قبل التخلص من ضغوط العمل:

أسقط على الأرض مغشيًا عليّ، يرتطم أنفي بقطعة أثاث، ويترك الارتطام ندبة صغيرة تعلو أنفي لمدة شهور. لا أتذكر شيئًا عن لحظات ما قبل السقوط، كل ما أذكره ظلام داكن يتحول تدريجيًا إلى نور يتسلل إلى عيني وأنا أسترد وعيي. اسمي يتكرر على مسامعي، ينطقه مَن حولي بصوت مضطرب، يأمل في الاطمئنان عليّ. أستفيق ولا أتذكر شيئًا كما الأفلام. وجوه أهلي فزعة حولي. قطرات دم تسيل فوق أنفي، وسيل من الأسئلة يتدفق في رأسي مستنكرًا: ماذا حدث؟ وكيف؟ ولماذا؟

المشهد الثاني: فلاش باك قبل واقعة الإغماء بشهر

تتكدس عليّ مهام الشغل وأعباء دراستي. أشعر بالتقصير في بعض جوانب حياتي الاجتماعية والخاصة، بسبب الانخراط في مهام العمل. أحاول الموازنة بالانتباه قليلاً لنفسي وعلاقاتي الاجتماعية، فأصاب بالشعور بالذنب، لأن ثمة مهامًا عملية ودراسية تنتظرني، فلا أستمتع بوقتي المستقطع لنفسي.

الشعور بالذنب يحاصرني في كل خطوة. أقع فريسة لهذا الإحساس اللعين وكأن رقبتي تحت مقصلة. طرفا المقصلة يلوثهما الشعور بالذنب. هنا شعور بالذنب في حق نفسي إن انغمست في العمل، وهناك شعور بالذنب إن التفت لنفسي وتجاهلت أكوام العمل الهرمية تلك. ترى هل أكوام العمل هرمية بالفعل أم أنني أعاني اضطراب الهوس بالكمال، فيخيّل لي أن ما يتحتم عليَّ إنجازه من مهام ضخم ومفزع لمجرد أنني أريده على أكمل وجه ممكن؟

لا أظنني مهووسة بالكمال، أظنني معتدلة في أداء مهامي، لكن معضلتي أنني لا أستسيغ فكرة “اقلب اللي في إيدك واخلص”. ترى هل أزمتي شخصية في إدارة الوقت موزعًا على المهام، أم أخلاقية في انضباط لم يعد له مكان في هذا الزمن الذي يرفع شعار “الفهلوة”؟ أتساءل بينما لا أحصل على أي إجابة. أسئلة تدغدع رأسي فحسب، وكل سؤال بلا إجابة لعنة تطارد صاحبه.

المشهد الثالث: فلاش فورورد لمشهد تخيلي بعد سنوات

أقرأ بوست ساخرًا على فيسبوك يتهكم فيه صاحبه من سؤال مقابلات العمل الشهير: “شايف نفسك فين بعد خمس سنين”، تيبست أصابعي على شاشة كيبورد الموبايل عند هذا المنشور، صفعني السؤال، ثم جرجرني بأفكاري في غير رحمة إلى تخيل نفسي بعد سنوات من الآن إن استمرت حياتي على هذه الوتيرة. في الواقع صفعني السؤال ثم سدد لي طعنة عنوانها: “هل يمكنك العيش لسنين مع هذه الضغوط ؟”.

في المشهد التخيلي الذي جرجرني له السؤال، رأيت نفسي شاحبة الوجه مسلوبة الإحساس بالحياة. فقط أجري، ثم أجري ثم أجري. سباق طويل من الجري بينما لا تلوح في الأفق لافتة تشير لنهاية السباق لأتمكن من الاستراحة. لا أريد الجري بينما كل من حولي يدفعني دفعًا لمواصلة الجري فحسب، تأتيني المشتتات من كل صوب فلا أعرف أي طريق يتحتم عليّ الجري فيه. هنا أيادٍ تشدني للجري في طريق إنجاز شخصي، وهنا أيادٍ تشدني في طريق إنجاز على المستوى العملي، أما هناك فصوت داخلي يخبرني أنني لا أريد أن أجري، أريد أن أحيا مطمئنة فحسب.

كان المنشور الساخر ما زال أمامي، وجدتني أجيب عليه في سري: “مش شايفة حاجة بعد خمس سنين.. مش عارفة أشوف”.

المشهد الأخير: نقطة التحول ولحظة التنوير

كمؤلف أفلام يُعجزه الاستمرار في كتابة سيناريو مفروض عليه، لأنه أدرك أن هذا الكلام لا يناسبه ولا يشبهه، وضعت نقطة وأغلقت صفحة عنوانها “الرضوخ للضغوط”. أدركت أن حياة بهذا النمط لا تشبهني، لا تسعدني، تأكل من روحي، وتيقنت أنه ينبغي على التوقف.

كان المشهد الأول هو المشهد الأخير. كان مشهد الإغماء نقطة بداية ونهاية بعكس المنطق. نهاية لمرحلة قاتمة كان لا بد عليَّ أن أعبر منها لأتعلم. وبداية لمنظور جديد في تعاملي مع ضغوط العمل والحياة. أدركت المعنى الذى كتبه يومًا مصطفى صادق الرافعي بأن قمة الخداع للنفس أن تنظم الفوضى حولك وتتركها بقلبك، فتيقنت أن هذا بالضبط ما أفعله. كنت أنظم بدقة شؤون العمل وأنخرط فيها، بينما يدب الخراب بداخلي، وهنا تمامًا توقفت.

خلاصة ما تعلمته في التخلص من ضغوط العمل

تركَت تجربة الإغماء الصعبة ندبة لبعض الوقت فوق أنفي، ودرسًا في رأسي، مفاده أن المهام المؤجلة والضغوط الناتجة عنها لن تنتهي ما حيينا، فهذه لعبة الحياة، وأن السر كله في تعلم إدارة الضغوط ما دام لا مفر من العيش محاوطين بها. تعلمت أنه إن كانت الضغوط لن تنتهي، فإننا إن لم نحسن إدارتها سينتهي بداخلنا -بلا شك- الشغف ولمعة العين، ليتحول المرء منا إلى كهل تتدلى كتفاه إلى الأسفل من ثقل ما يحمله من أعباء.

كانت الإغماءة خطوة جديدة خطوتها باتجاه إعادة ترتيب أوراقي، ومحاولة تغيير منظوري في التعامل مع الضغوط.

كانت الإغماءة مُعلمي الذي عرفت من خلاله طرق التخلص من ضغوط العمل

– تنظيم الوقت حل سحري يكفل إنجاز المهام بهدوء وفي غير استعجال وبجودة أكبر، قبل أن يطارنا شبح “الديدلاين”.

– من المهم تنظيم الوقت بحيث يشمل يومًا في الأسبوع إجازة تامة من مهام العمل، حتى وإن كان يمكن إنهاؤها من المنزل.

– تدوين المهام يساعد على التنظيم وعلى عدم إغفال مهام يجب تأديتها، فضلاً عن الشعور النفسي الجيد بالإنجاز حينما يراجع المرء قائمة المهام ويجد أنه قد أنهى بعضًا منها.

– البعد عن المشتتات ضرورة لإنجاز مهام العمل في وقت أقصر وبهدوء أكبر. لا مكالمات هاتفية، لا تصفح لمواقع التواصل الاجتماعي في الوقت المحدد لإنهاء مهام العمل.

– ضرورة البعد عن مشكلات العمل في غير أوقات العمل، ربما هي الخطوة الأصعب لأنه ليس بإمكان المرء الضغط على زر يفصله تمامًا عن أمر يؤرقه، لكن قد يساعد إلى حد ما عدم التحدث مع زملاء العمل بعد أوقات العمل الرسمية في نفس المشكلة التي تم قضاء طول اليوم في الحديث عنها. لا يساعد دومًا الحديث عن أمر مقلق في تخطيه، بل قد يحبس المرء في دائرة لا تنتهي من القلق.

– التفويض وسيلة جيدة للتحرر من بعض أعباء العمل، فإن كان المرء يؤمن بأن لا أحدًا غيره بإمكانه إنجاز المهام على أكمل وجه، فهو بلا شك في حاجة لإعادة النظر في طريقة إدراته لعمله.

– تقدير الوقت اللازم لإنهاء المهام المطلوبة بواقعية، فإن افترضنا أنه تم تكليفك بإنجاز مهمة ما، فتصريحك بأنه يمكنك إنجازها فورًا قد يضغطك بصورة أكبر مما إن كنت قد طلبت مزيدًا من الوقت. الواقعية مطلوبة.

– التقدم البسيط يظل تقدمًا، فلا بأس من إنجاز كم بسيط من مهام العمل كل يوم، لأن مع الوقت يتحول الكم البسيط إلى كم مقبول تم إنجازه.

– الترفيه وسيلة مهمة لا لتفصل المرء عن الضغوط فحسب، وإنما لتجويد إنتاجيته. فإن كان يٌقال إن أفضل طريقة نحب بها الآخرين هي أن نحب أنفسنا أولاً، فالترفيه عن أنفسنا نوع من الحب ينعكس بلا شك على كل ما حولنا بما فيه مهام العمل.

صحيح أنني ما زلت أتلمس الخطى لأتغلب على قلقي وهلعي ومخاوفي التي تخلقها الضغوط الحياتية عمومًا، وضغوط العمل بشكل خاص، لكنني أقاوم بكل ما أوتيت من قوة وتحدٍّ للنفس، ألا أدع مجالاً لتعلو أنفي ندبة من جديد.

اقرأ أيضًا: لأنك ماكينة: 10 حاجات لازم تعمليها عشان خاطر نفسك

المقالة السابقةتعليم الانجليزية من الصفر للمبتدئين: 16 طريقة لتعلم الانجليزية مجانا
المقالة القادمةعام جديد ولا شيء كبير

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا