ما نخلي “اللهم إني صائم” شعار للحياة

340

رمضان شهر بتنوَّر فيه القلوب، وبتحِّل عليه البركات، وبيحصل فيه تغيير ملحوظ في سلوكيات كتير من الناس للأحسن، سلوكيات غلط بالثُلُث ورغم كده أصحابها -في غير رمضان- بيعملوها باعتيادية واستمرار بدون ذرة تأنيب ضمير، وسلوكيات تانية صغيرة مش صح أوي برضو بس بتتعدَّى تحت شعار ساعة لقلبك وساعة لربك، إنما تيجي في رمضان وتتفلتر هي كمان.

 

فقط في رمضان..

تركب مع سواق ميكروباص فتلاقيه بدل ما يشتم السواق اللي معصَّبه بالأب والأم ميردش عليه، ولو رد يقوله “اللهم إني صائم”. تكلم حد عن فيلم ولا مسلسل فيقولك مش هشوفه في رمضان خليها بعديه، حد يقرا خبر يخُص السياسة مينفعش يترد عليه غير بشتيمة قبيحة تلاقيه يأجِّل الرد لبعد الفطار، أو وارد حتى تكتب مقال كان ممكن يتنشر عادي، بس لـمَّـا تكتبه في رمضان يترفض عشان مش متناسب مع روح الشهر الكريم.. وأمثلة تانية كتير.

 

فجأة الناس بيبقى عندها أخلاق ولا كأنهم أخدوا حبوب الأخلاق زي اللي كانت في فيلم “أرض النفاق”، صحيح مش كل الناس بتعمل ده بس جزء مش قليل منهم، وكأن أخلاقهم بتنزل باكيدج مع الصيام، المشكلة مش بس في إن الأخلاق دي مبنشوفهاش من أصحابها غير في رمضان، لأ ده الأسوأ إنها كمان مؤخرًا بقت بتبان بالنهار وقت الصيام بس وتختفي مع أذان المغرب وصوت المدفع، حتى في ده الدنيا اتقلّ خيرها والناس مبقاش عندها خُلق تفضل محافظة على أخلاقها لآخر الشهر!

 

طبعًا فيه ناس أخلاقها وهي صايمة أسوأ من أخلاقها المعتادة من كُتر ما الصيام بيخليها مش طايقة روحها وعفاريت الدنيا بتتنطط في وشها، تحت شعار “أنا صايم ابعد عن وشي الساعة دي”. الفئة دي ربنا يشفيهم ويديهم على أد نيتهم، مش همّ موضوعنا النهارده.

 

إحنا خلينا في الفئة التانية، واللي أخلاقياتها في “نهار” رمضان بتبان في تصرفات كتير، زي كظم الغيظ، غَض البصر، تبطيل الشتايم، عمل الخير، الصلاة في المسجد أو في مواعيدها أو حتى الصلاة نفسها من أساسه، قراءة القرآن والأذكار… إلخ… إلخ، وكل ده بيتم من أصحابه تحت شعار “اللهم إني صائم”.

 

وده شيء جميل، ومحتاجينه في عِز انحدار السلوكيات اللي بقى حوالينا أغلب الوقت وفي كل مكان تقريبًا، وطبعًا أنا مُدركة أدب الصيام وجلال الشهر الكريم اللي إحنا فيه، واللي بتخلي الواحد نِفسه أهدا وأكثر رضا، بس السؤال اللي بيطرح نفسه هنا:

 إيه اللي يخلي إنسان مُهذَّب في شهر، لسانه يكون متبري منه في شهر تاني؟ ومش معنى الكلام ده إن خلاص خليه غلاَّط طول السنة، العكس هو الصحيح، يا ريته يتصرف كأنه صايم على طول.

 

فيه ناس هتقرا الكلام ده وتقول أهو نُص العمى ولا العمى كُله، بس ما هو برضو اللي يقدر يكون مُهذب ويحارب شيطانه مش هيفرق معاه رمضان من غير رمضان. وربنا نفسه شايفنا مش بس في رمضان، لأ ده طول العُمر، ولو هيفرح إننا بنعبُده ونطيعه ونراعي الحرام والحلال في سلوكياتنا في رمضان أكيد عز وجل هيفرح أكتر من عِباده اللي قدروا يعملوا ده في باقي الأوقات اللي الشياطين فيها مبتتسلسلش.

 

إحنا مش عايزين نعيش في يوتوبيا، لأننا عُمرنا ما هنعرف نعمل سواء ده ولا ده، بس الأخلاق كِنز، اللي يقدر ياخد منه ويدِي ميتأخرش، مش بس في رمضان، لأ وغير رمضان، والكلام ده طبعًا بوجهه لنفسي قبل ما بوجهه لغيري.

 

مُعدَّل انحدار الأخلاق بقى مُرعب، والواحد لو عليه فهو فَلَت من المنظومة بشكل أو بآخر وبقى عارف قيمة الأخلاق وإزاي يتعامل بيها أو إزاي ع الأقل ميحتكش باللي معندهمش منها، إنما الدور والباقي على أولادنا.

 

هنربيهم إزاي وعلى إيه وإحنا حوالينا آلاف التصرفات والأشخاص اللي بيهدموا في كل لحظة اللي إحنا بنبنيه؟ هنعلمهم الأخلاق في زمن ماشي على حَل شعره ونسيبهم يحسوا بالغُربة وميعرفوش يتعاملوا بنفس طريقة ومنطق اللي حواليهم؟ ولا هنضطر نمسِّكهم الحبل من النُص عشان يعرفوا يسلكوا في الدنيا؟ أسئلة كتيرة صعبة وإجابتها ميتعرفش صح ولا لأ غير في نهاية المشوار بعد ما يكون أوان الإصلاح فات وانتهى.

 

أنا عايزة أربي بنتي كويس، وحقيقي شيء مؤسف جدًا لما الواحد يكون عايز يبقى كويس بس اللي حواليه مش سامحينله، أو مش محترمين فيه ده وشايفينه هو اللي غلط، أو بيعاملوه كمنبوذ، فيه خلل كبير في مقاييس الحُكم، وفيه عَجز شديد عن إيجاد حلول حقيقية حتى لو على المدى البعيد، بيقولوا كل واحد يبدأ بنفسه وبأولاده، طب واللي مش هيبدؤوا معانا إزاي نخليهم ميهدموش اللي هنبنيه؟ 

 

معنديش إجابة غير إن ربنا الحافظ، وخلينا فعلاً نحاول نبدأ بنفسنا ونخلي “اللهم إني صائم” شعار لسلوكياتنا طول الوقت، أو ع الأقل على أد ما نقدر، يمكن ساعتها غضب ربنا اللي علينا يقِل، وبركة الحياة اللي عايشينها تزيد.

 

المقالة السابقةبيت جديد بطعم الفول
المقالة القادمةعندى طول الوقت غُربة
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا