دقق في ملامحي.. ألم ترَني من قبل؟
دقق مرة أخرى. أنا جزء منك.. شاهدت وجهي في مكان ما، قد يكون في عيادة، مدرسة، جامعة، أسواق، غيط، وكثيرًا ما شاهدتني في منزل أرعى فيه الصغار. نعم أنا هي نصف المجتمع، وفتاة من أبنائك أنتمي إليك عقلاً وجسدًا وروحًا، لذا أرجوك اجلس بجانبي قليلاً واستمع إليَّ بصدر رحب.
ما زالت ترى أن الختان عادة يجب الاستمرار فيها، للحفاظ على شرف الفتاة وعفتها، تدافع عنها بكل قوة ممكنة كأن نهاية العالم مرتبطة بتلك العادة الفرعونية.
أنت ترى نون النسوة روحًا خلقها الله ناقصة الإرادة والتفكير، فيجب حماية شرفها بتلك العادة، وفي نفس الوقت تعتبرها المسؤول الأول والأخير عن حماية طهارة وعفة المجتمع، وإذا لم تفعل تحاسب وتنصب المشانق النفسية قبل الجسدية لها. كيف؟! ازدواجيتك مدهشة!
هلا بدأنا حديثنا بأن الختان يراه العالم تشويهًا للأعضاء التناسلية الأنثوية، وليس طهارة؟ بل واعتُمِد يوم 6 فبراير كيوم عالمي لرفض الختان، هل تعرف، أم تدفن رأسك في الرمال، لتسد أذنيك عن الحقائق التي قد تواجهك بقبح معتقداتك البالية؟
هل تعرف شعور الفتاة الصغيرة سنًا والكبيرة قلبًا، وهي تجلس بلا حول ولا قوة، وترى جزءًا من جسدها يقتطع بسكين أعمى، والدماء تسيل بين فخذيها؟ هل هو القهر، أم الكره، أم الخذلان، أم كل ذلك؟ إذا كنت لا تعرف فأنا أستطيع أن أخبرك.
عندما رأيت الأمر وأنا طفلة صغيرة لا أتجاوز الـ6 سنوات، وهو يحدث لإحدى قريباتي. وكأنها وصفة تقتل الروح، فقريبتي تحولت من فتاة محبة للحياة بكل طاقتها، تقود الدراجة الملونة بمرح بينما ينساب الهواء بين خصلات شعرها البني، إلى شيء ساكن لا يتحدث كثيرًا، تخاف الرجال، وتكره أنوثتها بعمق لا حد له، ترتدي ملابس الرجال، وتتصرف مثلهم تمامًا، بعد أن أدركت أن أنوثتها هي نقطة ضعفها.. حتى أنها امتنعت عن الزواج.
لا أعرف ماذا فعلنا حقًا حتى تكرهوننا بهذا الشكل! حتى تسلبوننا حقنا في حياة طبيعية بلا تشويه أو عنف أو عنصرية بغيضة! نحن النساء كالطيور نحاول بأجنحتنا أن نمد بكل أسباب الحياة، فنربي الأطفال، وندعم الرجال، ونسند آباءنا وأمهاتنا، نذاكر وندرس لنعرف الجديد في العالم وننقله إلى شرايين المجتمع، نعمل في مهن ووظائف لتسير عجلة التطور دون كلل أو ملل، وفي النهاية بكل بساطة تقررون إخراس نون النسوة إلى الأبد، ببتر أنوثتها، حتى دون إذن صاحبة هذا الجسد.
نرصد أسلحة لمقاومة تلك العادة، فتظهر الحملات الواحدة وراء الأخرى للتوعية بمخاطر الختان على الفتيات على مدار 20 عامًا أو يزيد، وتُسن القوانين التي تُجرِّم عادة الختان، ويتوعد مرتكبيها بالسجن من 5 إلى 7 سنوات، فتعلن الحرب بكل الأسلحة مشروعة كانت أم غير مشروعة، المهم أن تكون قاتلة.
فتوصم من يرفض القيام بتلك العادة، تعتبره مارقًا، فإن كان رجل رافض لها، فتحاصره بانعدام رجولته، وإن كانت امرأة تُقتَل روحها، بحرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية في الحب والزواج وأحيانًا الكرامة، رغم أنهم لم يفعلوا شيئًا سوى أن قرروا أن أجسادهم ملك لهم، ولهم الحرية الكاملة في فعل ما يشاؤون بها.
والنتيجة أن مصر تستأثر بنصيب الأسد في إحصاء منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الصادر عام 2016، والذي يشير إلى أن عدد مَن تعرضن للختان في العالم يقارب مائتي مليون امرأة، نصفهن أي 100 مليون امرأة، في مصر إلى جانب إندونيسيا وإثيوبيا، وتصل نسب الختان في مصر إلى 91%.
…
أشعر بالكثير من الأسى، وسنوات من الحزن وأميال من الوجع تملأ قلبي الصغير، وأنا أقرأ أن العالم أطلق علينا عاصمة الختان في العالم، فواحدة من كل أربع فتيات مختنات في العالم تعيش في مصر.
البعض يتباهى أن عادة الختان صارت تتم على يد الأطباء وفق المعايير الطبية، وأهمها تخدير الفتاة.
إذًا هذا ما قاله الأطباء -بشكل مباشر خلال عملي الصحفي وبشكل عام- عن آثار عادة الختان، فارتفاع نسب الطلاق في مصر يعد الختان السبب الرئيسي فيها، وقد بلغت حالات الطلاق والخلع لعام 2014 بسبب هذه العادة 14 ألف حالة على مستوى الجمهورية، وفي عام 2015 وصلت إلى 12500 حالة.
فيما وصل عدد دعاوى الزوجات المتضررات من ختان بناتهن أمام المحاكم خلال الفترة من 2013 – 2015 لـ1032 قضية، أما عدد المحاضر المُحررة أمام الأقسام الشرطة بسبب خلافات على إجراء الختان للإناث في عام 2015 إلى 1879 محضرًا بحسب مركز “حريتي” لحقوق الإنسان والمجلس القومي للطفولة.
تلك الإحصائيات قطرة في بحر الآلام التي تعاني منها النساء جراء تلك العادة، فالبعض يُصَبن بالصدمات النفسية ولا يشفين منها رغم مرور الزمن، ما يدفعهن إلى الامتناع عن الزواج، والبعض الآخر يصاب بالأورام السرطانية نتيجة الجهل الطبي والممارسات الخاطئة خلال ختانهن.
وأخيرًا وليس آخر.. الوفاة كما حدث لـ”بدور، كريمة، سهير، نيرمين، ميار…”، فتيات كن في عمر الزهور، دخلن غرف العلميات لوأد أنوثتهن بحجة الشرف فخرجن أجسادًا هامدة بلا روح، وكأننا نهين الخالق وعظمته في خلق الإنسان.
…
عزيزي المجتمع، مؤخرًا وأنا أسير في الشارع سمعت ضحكات مجموعة من الفتيات الصغيرات، كانت ضحكاتهم جميلة صافية تضج بطاقة لا تنتهي من البراءة والحب والحنان لو قُسمت على العالم لفاضت، ضحكات جعلتني أفكر في من سولت له نفسه قتل هذه البراءة بتلك العادة البشعة، وكيف لم يفكر ولو للحظات أن حماية شرف الفتيات يبدأ من العقل لا من الجسد؟! فالعقل الرئيسي للغريزة هو الدماغ والتفكير بحسب الدراسات الطبية، والجسد دوره الإشباع فقط، فالتربية ثم التربية ثم التربية هي الطريق الحقيقي لحماية شرف المجتمع كله وليس الفتيات فقط.
إذا كان لي أن اتحدث نيابة عن كل الفتيات سأقول “نحن نحبكم حقًا، وكل ما نتمناه في يوم من الأيام أن تحبوننا بنفس القوة، فتشعرون أننا أناس حرة لنا كيان مستقل ونملك كرامة يجب الحفاظ عليها وتعزيزها، لا أن تكسروا أجنحتنا الصغيرة وتمنعونها من الطيران في سماء الحياة بسيف عادة الختان.
نحن الفتيات كالفراشات الملونة، نضيء العالم بمصابيح الحياة، لذا لا تجعلونا أبدًا مصابيح مكسورة تالفة، والسبب عادة لا تسمن ولا تغني من جوع، كذبوا حين قالوا لك إنها تحمينا وهي في الحقيقة تقتل أرواحنا.