حسب الترجمة فالـ”سينجل ماذر” هي الأم العزباء، التي بلا زوج، وفي الدول الأروبية وأمريكا فهي الفتاة التي مارست الجنس وأنجبت دون زواج وتخلَّى عنها الأب، وارتضت هي أن تُنجِب وأكملت حملها، وهي تعرف أن الطفل سيكون بلا أب.. لذا فكلمة سينجل ماذر مكروهة في مجتمعنا، ولا تُقال إلا على نطاق ضيق وفي طبقة اجتماعية معينة، “سينجل ماذر؟ متقوليش على نفسك كده يا حبيبتي ده إنتي مطلقة وزي الفل”.
في الحقيقة وبعيدًا عن ترجمة أنيس عبيد والمفاهيم الغريبة، فجميعنا سينجل ماذرز، إلا قلة قليلة محظوظة ربما، أو لا يريد زوجها مغادرتها المنزل حتى لا تختلط بأحد، فيقضي هو طلبات البيت ويروح مشاوير المدرسة والتمارين والدروس والدكتور، ويرافقها إلى المستشفى أو الخياطة، خوفًا عليها أو عدم ثقة فيها أو مش عايزها تختلط فتتفتح رؤاها وتختلف أفكارها.. عاوزها بحطة إيده أو تحكُّم وخلاص.
جميعنا سينجل ماذرز ما دام الأب -سواء هنا أو مسافر- لا يهتم بأطفاله، يكتفي بدوره في الإنفاق والعمل ولا يعرف عن أبنائه شيئًا، ما دام الزوج يكتفي من العلاقة الزوجية بممارسة الجنس متى يحلو له وليس متى تحب شريكته، يكتفي بوقت الجنس فقط، لا يفكر يومًا في الاقتراب من زوجته ولا يريد أن يعرف لماذا أصبحت متوترة مؤخرًا، ولماذا يرتفع صوتها على ابنتها وهو أمر غير معتاد، لماذا فقدت الاهتمام بنفسها وأصبحت منكوشة تكره الذهاب إلى الكوافير، جميعنا سينجل ماذرز ما دام الأزواج لا يريدون أن يعرفوا عنا شيئًا ولا يتحملون معنا المسؤولية حتى بالتفكير واقتراح الحلول والمساعدة في المشاوير بالأولاد، جميعنا سينجل ما دام نسمع منهم أسخف جملة: “ما كل الستات كده.. ده دورهم!”.
تعرفي على: قصة فيلم ولا عزاء للسيدات قصة كل مطلقة في عيون السينما
كل المجتمع سواء رجال أو نساء مُسِنَّات: الأمهات اللاتي ربين هؤلاء الرجال، جميعهم يرى أن دور المرأة هو رعاية الأطفال والحفاظ على البيت وتحمُّل نزوات وخيانة الزوج، وتحمُّل عثراته المادية والنفسية، ومساعدته بالعمل والإنفاق، الكل يرى أن دورنا هو الخدمة والتحمُّل، وأن الظروف الاقتصادية التي نعيشها جميعًا يجب أن تتحملها الزوجة، وهو بالطبع أمر طبيعي أن يحدث، ولكن يجب أن يتحمل الطرف الآخر نصيبه من القلق ودوره في طمأنة شريكته، وتحمل مسؤولية الأبناء وتدبير الأمور.
“أم عزة” التي تعمل في البيوت وترعى طفليها بالرغم من أن زوجها حلاق ويعمل بشكل مستمر غير متقطع في محل يؤجره هو وأخوه، لكنه لا يعطي زوجته إلا القليل على فترات متباعدة، ليس بُخلاً منه وليس لأنه يُنفِق على أمه المريضة ولا يُجهِّز أخته للزواج، ولا لشيء سوى أنه صاحب مزاج، فهو عنده هوايتان: الحلاقة والتي يبرع فيها، وضرب البرشام بكميات تجعله يعود كله طاقة لضرب زوجته واغتصابها.. “أم عزة” لم تُفكِّر يومًا في طلب الطلاق وتجد له دائمًا المبرر المناسب لكل مرة، خصوصًا أنه يعود ليعتذر دائمًا ويبكي أحيانًا.
“أم عزة” تعيل أطفالها وحدها، وتقضي طلباتها ومشاوير الدكتور والسلف وتصريف أمورها من خلال جمعيات بسيطة، ليس لديها زوج طيب يشاركها التفكير ولا يحتويها في لحظات ضيقها أو تعبها. زوج لا يتذكر وجودها إلا عندما يبحث عن ضحية يضربها ويأخذ منها حقه الشرعي غصبًا.. “أم عزة” سينجل ماذر.. سينجل جدًا.
مش بس “أم عزة” اللي سينجل، فحسب آخر أرقام لجهاز التعبئة العامة والإحصاء (كلام حكومة قد يكون مشكوك فيه) إن 34% من الأسر المصرية تُعيلها سِت، تُعيلها بمفردها تمامًا دون مشاركة من الزوج. نحسب بقى المشاركة اللي بالغصب، أو الزوج اللي بيشتغل يوم آه وعشرة لأ لأنه مش عاجبه الشغل اللي جايله أو المكان بعيد، أو هيتبهدل على الفاضي فبيفضَّل إنه يقعد في البيت لحد ما ييجيله شغل على مزاجه، ما دام زوجته بتشتغل يبقى ليه يتعب نفسه؟ فاكر نفسه حسن أرابيسك أبو كيفه. نحسب الوحدة في ليالي المرض.. نحسب كم أم تسير وحدها في طريق الذهاب للتمارين والدكاترة.. نحسب القرارات الوحيدة التي يجب أن تُتخذ.
كل ليلة أثناء عودتي بابنتي من تمرينها أو أثناء تجوالنا في الأسواق أو أمام المحال، أراقب السائرين، أرى الكثير من الأمهات وحيدات بأطفالهن، حائرات بحقائب المشتروات والتحكم في الطفل، أرى أمًا تحمل طفلاً وتمسك بآخر في يدها، أمًا تُحايل ابنتها لتستمر في السير بينما تمارس الصغيرة ما تبرع فيه من الزن والبكاء. أمًا أخرى تضحك مع ابنها وتجذبه بعيدًا عن حركة السيارات، أرى أيضًا رجالاً كثيرين على طاولات المقاهي، أو سائرين بمفردهم.
أتساءل: لماذا يتزوج رجل ما دام هو يعرف أنه سيمل سريعًا؟! لا تخبروني أنه كان يظن العكس، كل الرجال كانوا يعرفون أن الملل سيحدث، وحدنا الفتيات فقط نأمل أن نكون مختلفات، وأن زيجاتنا ستصبح عكس ما يُقال وأن هذه الأشياء تحدث للآخرين. ما الذي يدفع رجلاً ليترك المسؤولية الكاملة لزوجته أو لطليقته؟
نحن أيضًا نحب الحياة دون تعب ودون قلق، لماذا لا نترك أبناءنا مثلكم ولا نفكر في أنفسنا ووقتنا؟ الرجل يعرف أن المرأة لا تستسلم بسهولة، لذا فهو يُلقي عليها كل العبء، ويشيل إيده تمامًا، واثقًا أنها لن ترفع يدها هي الأخرى. هو يعلم في قرارة نفسه أنها لن تستطيع التفريط في البيت والأبناء وستتحمل، تتحمل أن تسير وحدها في شوارع هذه المدينة: قانونًا هي زوجة لأحدهم.. فعليًا هي سينجل ماذر.