مقدمة
يختلف التفهم عن الفهم.. فالفهم هو إدراك الشيء بإعمال العقل، بينما التفهم هو بذل مجهود لتدرك بعقلك ما يخالفك في الرأي والقناعة.
***
بينما كانت السياسة تدوس على الجميع وتفرقهم كنت أبحث عن نقط مشتركة للقاء.. مواقف ثابتة.. ذكريات مشركة.. لحظات من الود أستطيع أن أركن إليها فلا تجرفني دوامات الاختلاف. كان هذا مرهقا جدا خاصة حينما تحتدم النقاشات في وقت يصبح فيه إبداء الرأي عملا إلزاميا.
أحيانا كنت ألوذ بصمتي، أو كنت أردد جملة “أنا مابفهمش في السياسة” كالبغبغاء، لكن في معظم الأحيان كان يتحتم علي أن أشارك في نقاشات هامة مع أطراف لا أريد خسارتها.. كان يجب أن أستمع لا أن أسمع. كان يجب أن أتعاطف وأن أهتم. كان يجب أن أبالي وأن أفهم.
وعند الفهم كان الطرف الآخر يطالبني بتبني مواقفه التي تختلف تماما مع قناعاتي. كانت أياما صعبة وكان كل طرف يحاول جذب أكبر عدد من الأفراد لفريقه، وكان لي فريقي ولكني لم أرد خسارة باقي الفرق. فمنهم إخوتي وأبي وأصدقائي.
كان الفهم صعبا وعسيرا.. لكن الله ألهمني التفهم على كل ما ينطوي عليه من رفق وبذل مجهود.
يختلف الفهم عن التفهم. بينما الفهم هو إدراك الشئ بإعمال العقل، يتطلب التفهم أكثر من ذلك.. يطلب قدرا من الرفق والمرونة والاحتواء. يتطلب مجهودا أكبر لتشعر من تتفهمه بأنك حتى لو اختلفت معه فأنت تقدر موقفه وتقف بجانبه وتدافع عن حقه في إبداء رأيه.
واستطعت أن أتفهم مواقف أختلف معها تمام الاختلاف، لكني أريد أن أكون مع أصحابها في جانب واحد.
حاربت من أجل أن تظل العلاقات بيني وبين أحبتي قائمة. أعملت عقلي لكني لم أتجاهل روحي وقلبي.. فتفهمت.
اليوم بعد أن صارت كل الخلافات بلا معنى أحمد الله على أنه ألهمني التفهم. فلم أخسر ولم يتألم قلبي بالفقد.
ومع بداية عام جديد أتمنى من الله أن ينعم بالتفهم على الناس جميعا. فنستطيع أن نقدر مواقف بعضنا البعض ونحترمها ونخرج من خلافاتنا باتفاق وود.
مع بداية عام جديد أدعوكم جميعا لـ”نتفهم سوا” أن خلافاتنا ما هي إلا وجه من أوجه الحياة المختلفة وأن الأصل أن نحيا معا.