بسنت
عزيزي ميدان التحرير/
الفترة الأخيرة حضرتك بقيت بتضغط على فتحات التهوية في روحي، ولحكم عملي في قلبك يوميًا ومروري على أكثر شوارعك قربًا
لقلبي بقيت باخد جرعات مكثفة من الوجود معاك، وده اللي أكّد جوايا مؤخرًا إنك مبقتش مكاني خلاص من اللي بشوفه. عشان كده
ظبطت نفسي آخر مرة وأنا مروحة بسأل السؤال ده: ماذا لو لم يكن للتحرير ميدان؟
طيب أقولك حاجة؟ في 25 يناير أنا مكانش فارق معايا اللي بيحصل، ومكنتش فاهماه الحقيقة وقتها، كل اللي فاكراه من الـ18 يوم إني
كنت بعاني من حمّي رهيبة واشتباه في أنفلونزا الخنازير بسبب حرارتي اللي مبتنزلش لمدة 7 أيام، بس كنت فرحانة ومتحمسة، مش
موضوعنا عمومًا، ولا برضو يهمك موقفي فيما بعد كان إيه، بس كان عدم نزولي الميدان أسبوعيًا أو مرتين في الأسبوع كوِرْد لازم
أعمله، كان شيء رهيب بالنسبالي جدًا. كنت بنزل التحرير لما الدنيا تضلم في وشي أو تضحكلي، سيان بقي، زي اللي بيزور مكان لازم
يوفي فيه دين فرحته وزعله.
الناس كانت بتنادي وقتها بإسقاط النظام، وأنا كنت بنادي إني عايزة الميدان يرجع ميدان تاني أقدر أمشي فيه بطريقتي، وأقعد أشرب شاي
مع عم بتاع الجرايد جنب ماكدونالدز، وأختار شوية مجلات وكتب تحفة بنص التمن. وقد كان.. بعدها بشوية عملولنا كارنيهات عشان
نقدر ننزل في الحظر ونتحرك براحتنا، رحت ميدان التحرير لأول مرة وكانت بداية تغيّره للأبد بعدها، طيب إنت عارف إني كنت هناك
يوم 24 يناير الساعة 7 بالليل؟ كنت بجيب كتب من دار ميريت؛ الجرنال كان عامل مسابقة وهداياها كتب، ولظروف ملخبطة اتدبست
إني أروح أجيبها يومها بالليل، وبعد كده شكرت الصدفة والظروف دي اللي خلتني أشوف الميدان بشوارعه لآخر مرة قبل ما يتغير للأبد
بعدها بساعات.
عزيزي ميدان التحرير/
حضرتك بعد شوية أحداث فضيت تاني وفضلت كده تتملي وتتفض وتتملي وتتفض، والجزء ده إنت يمكن عارف تفاصيله أكتر مني..
والحقيقة إني بعدت عنك كتير وقتها، كتير أوي يعني، ومكان شغلي اتنفي في فترة مقتطعة من حياتي لآخر مدينة نصر.. فبعدت قوة
واقتدار عن الميدان. وتخيلت إن الصلة اتقطعت خلاص بالتحرير، بشوفك صور وتليفزيون وشكرًا كده.
وبعد شوية وتزامنًا مع كل الحاجات اللطيفة رجعت تاني أشوف الميدان. أمشي وأضحك وأفتكر، أفتكر ذكريات الحلم في كل شارع
وحارة ومبنى، بس كان بيصدمني كل مرّة إن شوارعك اتغيرت، محطة السادات مقفولة، وشارع الجامعة الأمريكية اللي شغلي فيه بقي
مسخ متحاوط بخرسانة وبوابات حديد.. فرجعت تاني أحس إنك مش مكاني.. مش ده الميدان اللي متعودة عليه، ولا دي الشوارع اللي
بنتمي ليها. ولا دي الشوارع برضو اللي مشيت فيها قد عمري بخطط للي جاي.
يسعدني أقولك إنك كميدان اتحولت لسيرك قومي من يومين، سيرك بمعنى الكلمة، معرفش ليه كان لازم أشوف السيرك ده، بس زي ما
إنت عارف إن شغلي هناك، كنوع من تعذيب الذات يعني كان لازم أشوف الكوميديا السودا دي. سامعاك بتقولي الناس بسيطة وعايزة
تفرح، يا سيدي تفرح، هو السيرك إيه غير شوية ناس بتمثل إنها فرحانة؟
بالك إنت؟ مش عايزة أوصل لمرحلة إني أتخنق منك أكتر من كده، فبقيت بمشي من أكثر الشوارع اختصارًا وأنا مروّحة، سماعاتي في
ودني ومركزة في البلاي ليست وطريقي للمترو بأسرع ما يكون.
الرسالة دي لإنه كمان أسبوعين، فيه ذكرى شخصية لطيفة مرتبطة بميدان التحرير، رصيف جروبي تحديدًا، ومحطة السادات، وكل
الحاجات الحلوة إياها، كان بودّي وسط الخلاط اللي أنا مضروبة فيه الأيام دي إني أمشي في شوارعك وأنا بتنفس حب وحرية وباكل
آيس كريم ، بس الميدان مبقاش شبهي، ولا بقالي مكان احتفال فيه هناك.