جاتها النوبة

916

بقلم: روكسان رأفت

 

الساعة واحدة بالضبط بتوقيت القاهرة، كل البيت نايم ما عدا أنا! .. قاعدة في الأوضة على نور لمبة سهاري، وبحاول أنظّم نَفَسي، بعد ما حصل لي اللي بيتكرر معايا كثير، ومكنتش أعرف سببه!

صعوبة في أخذ نفس عميق، توتر وزيادة مرات في دقات قلبي، إحساس بالسخونة حتى لو في عز البرد، بالإضافة لمشهد غريب بيتكرر؛ وهو كأني بشوفني وأنا بغرق! بشوفني عاملة زي الشمعة اللي بتسيح، أو كومة الرمل اللي بتنهار على الشاطئ مع موجة قوية للبحر.

المشهد ده بتفاصيله، والمشاعر اللي معاه أنا بسميه “النوبة”. فاكرة زمان كنت بسمع اللفظ ده في الأفلام، وكان بيتقال: فلان جاته النوبة! النوبة دي كانت مرات بتبقى نوبة صرع، تشنجات، لحد ما بقى بيتقال عليها في زماننا ده “نوبة هلع”.

اللي بيحصل معايا مكنش نوبة هلع بالضبط، وكان بيحصل لي بدون سبب معين واضح، وفضلت وقت طويل علشان أعرف أسبابه. فاكرة أني جربت الإحساس ده، وأنا صغيرة وفهمت تفاصيله وأنا في الثلاثين!

سبحان الله، سنين طويلة وأنا مش عارفة أتعامل معايا! منتهى الجهل والضعف، بل ومرات الخزي، أصعب حاجة ممكن حد يجربها أنه ميبقاش معاه مفاتيحه! مفيش وقت للبكاء على الأطلال، ولا حتى اللبن المسكوب، فأنا النهاردة أقرب لنفسي ومعايا بعض مفاتيحي.

لما بدأت أفهم اللي بيحصل ده عرفت أنه أعراض جسمانية بدون سبب عضوي! يعني ببساطة مفيش حاجة في جسمي حصلت تخلِّي الأعراض دي تظهر عليّ، مفيش حاجة حصلت برَّا لكن فيه حاجة حصلت جوَّا!

وده اللي بيتقال عليه بلغة الطب النفسي أو علم النفس الأمراض النفسجسمية. يعني ببساطة تظهر عندي أعراض خارجية في جسمي من غير ما يكون فيه سبب عضوي. الأسباب العضوية من أول الإجهاد لحد الضغط والسكر، والذي منه. لكن يكون السبب هو موقف عدى عليّ أنا مكنتش قدّه، أو حسيت فيه بمشاعر فوق طاقتي.

الأمراض أو الأعراض النفسجسمية بتأخذ وقت لحد ما نكتشفها أو نتعرف عليها؛ لأنه ببساطة اللي جوَّانا مش دايمًا بنبقى عارفينه، ولو عرفناه مش دايمًا بنعرف نتعامل معاه. اللي برَّا ممكن يبقى سهل التشخيص ونقدر نقيسه، لكن اللي جوَّا -وآه من اللي جوَّا- مرات بيعمل بالضبط زي المثل اللي بيقول: “أوديك البحر وأجيبك عطشان”.

لكن علشان نبقى عمليين، تعالوا نتكلم في نقاط مركزة ومحددة؛ إزاي أعرف أن الأعراض اللي بتحصل لي دي بسبب حاجات نفسية؟ .. بالمناسبة، مش معنى أننا قولنا حاجات نفسية نبقى قصدنا أمراض خطيرة، لأ طبعًا! مجرد أنه فيه حاجة مضايقاني دي حاجة نفسية؛ خايف، متوتر، غضبان .. كل دي حاجات نفسية.

1-   هعرف وأفهم لمَّا ألقط نَفَسي،

ودي مهارة بتعلمها مع الوقت لمَّا أنوي وأركز، أرجع خطوة لورا كده، وأجمع الأحداث مع بعض وأشوف، إيه بالضبط اللي كنت حاسس بيه قبل ما تظهر الأعراض دي؟

2-   أبقى واخد بالي من صحتي أساسًا،

وعارف أني مش بشتكي من حاجة عضوية معينة ممكن ينتج عنها الأعراض دي. وده طبعًا معناه أني لازم أكون مركِّز مع نفسي مش مطنّشها ولا بسمع لها بس لمّا تجيب آخرها أو تشرق على الآخر.

3-   أبقى عندي وعي ودراية بإيه هي الأعراض النفسجسمية، وممكن تظهر لي في صورة إيه.

فمش شرط اللي حصل معايا يحصل معاك، لكن ممكن تظهر أعراض ثانية؛ زي القولون العصبي، زي نوبات الهلع، زي آلام في العضلات، زي إحساسك بأن قلبك هيتخلع من مكانه. ودي بتحصل في أوقات الحزن الشديد واسمها العلمي (Heart breaking) أو تحطم القلب. وزي حاجات كثيرة ممكن تقرأ عنها بنفسك، وتعرف معلومات كثيرة وتوعي نفسك.

يمكن رحلة الوعي مختلفة من شخص لشخص، ومرات بيكون الدافع الوحيد لها هو الاحتياج أو المشكلات اللي بتعوق حياتنا.

النوبة اللي بتكلم عنها دي بتحصل معايا لما بتضايق، أو أتوتر، أو أخاف، أو أحزن وأكتم في نفسي. لكن كمان محتاجة أحكي,

إيه اللي بعمله وبيساعدني في الأوقات دي:

1-   أول ما بيحصل لي الأعراض دي (من نفس مكتوم، انغلاق على نفسي، كسل عن القيام بمسئولياتي، وإحساس بفقدان طعم الحاجات) بعرف أني مش كويسة من جوَّا، ومش كويسة دي ممكن تكون مجرد قَرْيَفَة بسيطة.

2-   بقول لنفسي ببساطة وبهدوء وبصوت مسموع: “أنت مش كويسة” ساعدي نفسك بقى.

3-   بحاول أهدِّي أعراض النوبة دي في الأول، بأخذ نَفَس عميق، وبركز في اللحظة اللي أنا فيها. والحقيقة ده تدريب مش سهل، لسه بتعلم أبقى شاطرة فيه. علشان تركز محتاج تشغل معظم حواسك فتسأل نفسك أنا شامم إيه، سامع إيه، لامس إيه؟ وهكذا كلما شغلت حواسك في اللي حواليك؛ بقيت أفضل.

4-   بعد ما ببدأ آخذ نَفَس عميق وهادي ومتكرر، بفصل نفسي عن اللي كنت حسّاه، فبحاول أعمل حاجة فيها مجهود بدني، أشيل حاجات في مكانها، أطبق هدوم، المهم مركزش مع أفكاري.

5-  بعد ما الأعراض دي بتهدى ببتدي أعمل حاجة من اثنين؛ إما أتكلم مع حد فاهمني وبيحبني، وأتناقش معاه في اللي كنت حسَّاه وبفكر فيه، أو لو ملقتش بكتب، وطول الوقت بنناجي الخالق يفهمنا ويهدينا ويفتح بصيرتنا.

6-   بفهم تدرُّج الرحلة والسلسلة دي؛ علشان كل مرة تبقى أسهل من اللي قبلها.

أنا عارفة أنه ممكن ده يأخذ وقت، بس عايزة أقول أن الوعي نص السكة؛ فأنت الأول بتبقى مش عارف بعد كده بتبقى عارف بس لسه مش عارف تتصرف، بعد شوية بتبقى عارف وقدرت تأخذ شوية خطوات حتى لو ناقصين. ومرة في مرة بتقدر تبقى أشطر لحد ما توصل أنك تساعد حد ثاني كمان.

فيه مرات هتقدر تعدي النوبات دي لوحدك، وفي مرات ثانية هتطلب مساعدة متخصص. أتمنى لك حياة خالية من النوبات الصعبة، ومليانة بنوبات الوعي والنور.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةالروقان والسربعة
المقالة القادمةحوِّلْ .. هل تسمَعُني؟!

4 تعليقات

  1. Very great post. I simply stumbled upon your blog and wanted to mention that I’ve truly enjoyed surfing around your blog posts. After all I will be subscribing on your feed and I hope you write again very soon!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا