بكلمات مقتضبة وخاطر نصف مدرك لما حل به دون مقدمات، كتبت إحدهن عبر إحدى مجموعات الدعم على فيسبوك “عدى على فرحي 10 أيام، جوزي مصمم على الطلاق لأنه اكتشف إن جسمي مش زي ما كان متخيل، أنا كنت بلبس كورسيه تحت اللبس فترة الخطوبة عشان اللبس يبقى شكله مظبوط عليَّ، أنا حاليًا معرَّفتش أي حد بس مش عارفة أعمل إيه”.
الحقيقة أني لا أعرفها، لكني لم أكن لأتعاطف معها أكثر لو أنها كانت صديقتي مثلاً أو أختي أو حتى ابنتي، تألمت لأجلها أشد ألم، وتساءل شيء في خاطري “ماذا كان ليحدث لو أن القصة جاءت بالعكس؟ ماذا لو أن شيئًا فيه هو لم يعجبها؟ هل كانت ستفعل الشيء عينه؟”.
أتكيف مع كوننا نعيش في مجتمع شرقي، يُحصّن الرجل بدرع من أفكار عنصرية، ليست من العدل في شيء، فالرجل من وجهة نظره لا يعيبه سوى جَيبه، حتى وإن مُلئ هذا الجيب عن طرق غير مشروعة أو لعبت الصدفة دور البطل فيها كالميراث مثلاً، وإن فاض وِفاض شخصيته وسلوكه بالسوء لا يهم، المهم أنه “قادر يصرف على أهل بيته”، لكن ما لم أستطع التكيف معه حتى الأن هو استباحة مظهر الأنثى وجعله في مرمى السخرية، بل والنيل والتصفية، كالنموذج الذي استهليت به الطرح.
أعتقد أن اختزال الرجل في حفنة من الأوراق المالية ما هو إلا إهانة مباشرة له، وتضليل للمرأة ودفعها لاختيارات مهزوزة، ولعل هذا المنطق تحديدًا، ما تسبب في فساد حيوات وانهيار كيانات أنثوية، فقط لأنهن آمنَّ به حق إيمان وسرن في الحياة غير مكترثات بالعقل ورجاحته، والقلب ورفقه، والروح ورقتها، والطموح وعنفوانه، وملء أعينهن بريق المال وفتنته.
وفي الوقت الذي يعلق فيه أحدهم على سمنة إحداهن بينما تمر في الطريق من أمامه بقوله “إيه أتوبيس هيئة النقل العام اللي عدى من شوية ده!”، ترى الأمثلة الشعبية، التي تعتبر بمثابة الدستور المجتمعي للبشر أن “راجل من غير كرش ميسواش قرش”، كنوع من أنواع الدفاع عن بدانة الرجل وتقديمها في إطار لائق مرادف للعز ويسر الحال.
والحقيقة أن الأجساد على اختلاف أنواعها سواء كانت لذكور أم إناث ما هي إلا أوعية، تضفي الروح عليها شيئًا من القدسية، وما أن تغيب عنها تستحيل رمادًا وبقايا عظمية، تغاير في طبيعتها ومظهرها الفطرة الأولى للجسد، ما أحاول قوله أن الله حينما خلق جسدَي الرجل والمرأة، لم يغير في الطبيعة البيولوجية لكلا التكوينين، فمن أعطى للرجال تلك السلطة المطلقة على أجساد النساء؟! لهم الحق في السخرية منها ومطالبتهن بالتغيير، بينما جُردن هن من هذا وذاك حتى تلقَين وجهًا كريمًا!
أعرف امرأة اكتشفت بعد 25 عام زواج أن زوجها يخونها، وحينما واجهته، أخبرها بضمير مطمئن أنها نحيفة أكثر مما يجب وهو يفضلهن ممتلئات. أودت الصدمة بصحتها وجعلتها طريحة الفراش حتى الموت، وكانت كلما همَّ أحد لزيارتها أخبرته أنها جاهدت طوال حياتهما معًا -رغم مرضها وتكرار الحمل والإنجاب أكثر من مرة- كي تحافظ على رشاقتها، لأن زوجها الذي يتقدمه كرش عظيم،أخبرها في أول زواجهما أنه يكره المرأة البدينة.
الحقيقة أنني لا أتحدث هنا من منظور نسوي، بدافع النيل من الرجل، بقدر ما أتحدث من منظور إنساني يحلم بالمساواة بين الجنسين، على الأقل في الأشياء التي لا حيلة لهما فيها ومن بينها المظهر، لكن إذا ظلت المظاهر سيدة الموقف كما هي الحال، إذًا فمن وجهة نظري المتواضعة “الراجل ميعيبوش إلا كرشه”.. لماذا؟ لأن الرجل الذي يبرر لنفسه هيئة غير لائقة، ليست محببة لا له ولا للآخرين، مستترًا تحت غطاء المجتمع الذي لا يرى عيبًا فيه إلا إذا ارتبط بجيبه، فيبدأ بالتقاعس عن السعي للتخلص منه، بل وأكثر من ذلك، يحيله بمرور الوقت إلى “سلة مهملات” يضع فيها كل ما تشتهيه نفسه وتطاله يده، مرة هروبًا من فشل عابر، وأخرى تعويلاً على انشغال وتفكير دائمين، وثالثة بدعوى أنه إنسان والشهية أمَّارة بالسوء وهو إنسان ضعيف، لا يقوى على المواجهة وإيجاد الحلول، وإذا كانت تلك الطريقة التي يتعامل بها مع معدته، هي نفسها التي يتعامل بها مع باقي الأشياء في حياته، فهي بالتبعية طريقة فاشلة، لن ينجم عنها سوى الفشل.
وعليه.. لو أنني كنت رجلاً كنت سأولي اهتمامًا خاصًا بمظهري، وقبل أن أهتم بماركة حذائي أو رابطة عنقي، كنت سأبذل قصارى جهدي كي أملك جسدًا ذا معالم متوازنة، وكما أهتم لأمر غذاء عقلي بالعلم والمطالعة، وغذاء روحي بالحفاظ على أواصر متجددة ومتنامية مع الله، كنت سأهتم بغذاء جسدي، كنت لأختاره صحيًا مغذيًا، لإدراكي أن ما أضع فيه ليس “سلة مهملات”، بل معدتي التي جعلها الله موطن صحتي وسقمي، كنت لأرفض أن يتخذني الناس “أراجوز” في مسرحية يثبتون من خلالها صدق ادِّعائهم بينما يضحكون مني خلف الكواليس، كنت لأبتسم في وجه البدناء سواء من الرجال أو النساء وأشعرهم بالتقبل، لا بالسخرية والاشمئزاز، كنت لأشجع أمي وأختي وزوجتي وابنتي على اعتناق ثقافة الجمال في كل شيء، لا من أجل إرضاء أعين الرجال، بل لأجلهن.
الرجل يعيبه كرشه كما تعيبه أخلاقه وسوء قلبه وفساد سريرته، أما جَيبه فيأتي في ذيل القائمة، شأنه شأن مظهر المرأة التي يتغافل المجتمع عن جميع ما فيها ويولي اهتمامًا خاصًا به، إن أعجبهم اتهموها سرًّا بالفساد والانحلال وإن لم يعجبهم نالوا منه جهرًا ساخرين.