بقلم: سارة سكر
الانطلاق بجرأة والإشراق بنور
كنت أقرأ في كتاب كتبتْه امرأةٌ لتشجيع النساء لاتخاذ قرارات تساعدهن على عيش الحياة بشكل أفضل، وحثهن على النظر لكل صباح يوم جديد؛ على أنه فرصة جديدة تمامًا لمواجهة الحياة بأفضل ما عندهن. فكتبت تشجعهن أن يخترن يوميًّا الانطلاق بجرأة نحو أهدافهن؛ بدلًا من جلب الأمس معهن لليوم. وأنهت هذا الجزء بحماسة لينطلقن ويشرقن بنور.
مؤخرًا أصبحت أتعامل بحذر مع مثل هذا النوع من النداءات! وأفكر قليلًا في مدى واقعيتها قبل أن أنزلق في تفاعل حماسي معها يبتعد بي عن أرض الواقع الذي أعيشه. فأنا ممن ساروا في الحياة وقتًا طويلًا بتوجهات مفرطة الإيجابية -أراها اليوم حمقاء-؛ إذ كثيرًا ما صُدمتُ بعدها باكتشافي أني كنت أعيش واهمة في رومانسية بلهاء، تحلق بي بعيدًا عن الأرض الحقيقية المُطالبة أن أقف عليها.
فعندما قرأت هذا الجزء الذي تحث فيه النساء لينطلقن بجرأة في يومهن نحو أهدافهن؛ تذكرتُ الليالي السوداء الحزينة والطويلة التي عبرتْ عليَّ، في وقت ما ليس بالبعيد! تذكرتُ كيف كنت حينها أقضي يومي لا أفعل شيئًا سوى انتظار وقت الخلود للنوم!
وأثناء قراءتي لما كتبتْ مستخدمةً ألفاظًا قويةً ليشرقن بنور، تذكرت تغلغل الظلام داخلي، وفورانه متصاعدًا ليخنقني! تذكرت كيف كانت أفكاري تقتنصني حتى أصبح النوم هو ملاذي الآمن الوحيد! تذكرت كم كنت أشعر بثقل الحياة عندما أفتح عيني صباحًا، وأدرك أن أمامي يومًا كاملًا عليَّ أن أعيشه وأواجهه! كم كنت منطفئة وقتها، كأني أعبر بموتٍ ثقيل!
نعم تذكرت وتذكرت..
ولكني تذكرت أيضًا، أن هذا كان في وقتٍ ما، وأنه -ولله الحمد- مرَّ وعبر وانتهى. لا أنكر أنه أحيانًا يطل بوجهه الأسود البشع على حياتي، ويأتي زائرًا من حينٍ لآخر، ولكنه -ولله الحمد مرة أخرى- لم يعد مقيمًا في بيت حياتي؛ فأنا اليوم أشعر بالحياة أكثر كثيرًا مما كنت أشعر بها قبل أن يمر بي هذا الموت.
الإدراك
في وقتٍ لاحق، كثيرًا ما تمنيت أن تُنتزع تلك الفترة من ذاكرتي. وكنت أنظر لفقدان الذاكرة على أنه قد يكون شافيًا لقلبي مما حلَّ به! ولكني أدركت بعدها أن حلًّا كهذا قد يخسرني الكثير؛ إذ تعلمت أن الاكتئاب محطة في رحلة الوصول للابتهاج العميق، والألم جزء أصيل في ممارسة الرجاء والأمل، مثلما الجفاف موسم يأتي قبل الازدهار، كما أن الفشل القاسي جزء من تعلم المعنى الحق للنجاح. وخرجت بقاعدة ملخصها أن الموت جزء من الحياة.
الموت جزء من الحياة
نعم، تبدو قاعدة عجيبة! كيف للموت الذي ينهي كل شيء، أن يكون جزءًا من الحياة! أليس الموت والحياة متضادين؟! الحياة بمعناها الأعم والأشمل، الحياة التي تمتلئ بالانطلاق والإقبال على المجهول بإيجابية، الحياة التي فيها نشعر بالحضور والتواجد الحقيقي، كيف يكون الموت مبتدأها؟!
لأجيب عن هذا السؤال الواقعي، دعني ألخص فكرة فيلم قصير كنت قد شاهدته، بمنتهى الإعجاب. يتخيل فيه صناعه جنينينِ توأمينِ يعيشان في رحم أمهما قبل أن يولدا، يمرحان ويلعبان، يتحدثان ويضحكان معًا، ظانين أن هذه هي الحياة, وهذه المساحة الضيقة هي مكانهما المستقبلي. إلى أن يحل وقت ولادتهما؛ فيبدآن في المقاومة ظانين أنها نهايتهما! ويصارعان ويصارعان حتى لا يخرجا؛ مما يسبب آلامًا رهيبة للأم! ولكن عندما يستسلمان لما يعتقدان أنه الموت والنهاية، فيولدان، هنا تبدأ حياتهم الفعلية.
أعتقد أن الألم والوجع والفشل والأحداث القاسية التي تمر بنا -أو لأقولها بشكل موضوعي أكثر- التي تدهسنا وهي تمر علينا، بشكل ما تكون مثل عملية الولادة الصعبة، نخرج بعدها من أرحام ما تعودنا عليه، وما ظننا أنه الصالح لنا. نخرج من دوائر راحتنا التي ننعم فيها بالهدوء، ولكنها في نفس الوقت تبقينا قُصَّرًا غير جديرين بالحياة الحقيقية، الحياة التي تليق بكائنات مكتملة النمو، لا أجنَّة ما زالت في طور التكوين.
نعم الموت جزء من الحياة.
موت حلم، قد يكون المهد الذي تولد فيه أحلام أخرى!
الفشل في دراسة أو مشروع، قد يكون شرارة البدء في البحث عن الشغف الحقيقي والسعي وراءه فتتحقق نجاحات ما ظننا يومًا أنها ستكون!
دفن علاقة انتهت وماتت، قد يكون من أقسى خبرات الوقوف أمام شواهد القبور. ولكن البكاء على ميت بعد دفنه خير من التعايش مع جثته الهامدة. وبعدها علينا بالصبر منتظرين مجيء العزاء، مصطحبًا في يده مفاجآتٍ تُنعم بها علينا الحياة ورب الحياة.
فكما تُرمى البذرة في ظلام التربة وتبقى وحدها مدفونة لفترة، حتى يأتي وقت الازدهار والإثمار؛ نستطيع أن ننظر لما نعبر به من موت، أنه جزء من الإثمار بنا والاستثمار في حياتنا.
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.
I do agree with all of the ideas you’ve introduced for your post. They are very convincing and will definitely work. Still, the posts are too quick for beginners. May you please prolong them a little from next time? Thanks for the post.
Excellent post but I was wondering if you could write a litte more on this topic? I’d be very grateful if you could elaborate a little bit more. Bless you!