شاهدت بدون ترتيب مسبق فيلم “the intern/ المتدرب” في السينما، كل ما كنت أعرفه عن الفيلم أنه من بطولة روبرت دي نيرو وآن هاثاواي، وكونه مصنّفًا فيلمًا كوميديًا، دخلته غير متفائلة وخرجت منه سعيدة بالساعتين اللتين قضيتهما في مشاهدته.
تنويه: باقي السطور قد تحمل حرقًا لأحداث الفيلم، لذلك من سيقرر غلق المقال قبل إكمال قراءته أحب أن أقول له إن الفيلم كوميدي جدًا، روبرت دي نيرو قام بأداء كوميدي من الدرجة الأولى، بعفوية ودون أي افتعال، لذا أنصحكم بأن تشاهدوه.
تبدأ أحداث الفيلم بـ”بن” الأرمل ذي الـ70 عامًا، لا يجد ما يملأ فراغه بعد وفاة زوجته، حتى يجد بالصدفة إعلانًا يطلب متدربين كبارًا في السن، فيتقدم للحصول على الوظيفة، والتي يحصل عليها بالفعل. نظن في البداية أن الفيلم سيدور بشكل كبير حول حياة “بن”، ولكننا نجدها تذهب بشكل كبير إلى حياة “جولز” المديرة الشابة وصاحبة المشروع الذي كبر للغاية قبل مرور عام على بدئه، ولكنها بالطبع تتعرض لضغط شديد بسبب العمل وبسبب حياتها الأسرية التي لا تستطيع أن تعيشها.
ما بدا لي، استعراض الفيلم لحياة “جولز” كان في الحقيقة استعراضًا لما فعله “بن” في حياة “جولز” ومحاولاته لتحسينها، أو لتحسين حياة المحيطين به بشكل عام، لأنه كما قال لأحدهم مرة “أشعر أنني عم الجميع”.
ما يهمني في الفيلم بشكل كبير فكرة رائدات الأعمال وتأثير ذلك على حياتهن الشخصية، فرغم أن الفيلم خفيف وكوميدي لكنه تعرّض بشكل واضح ومباشر لهذه القضية، فـ”جولز” عندما بدأت مشروعها تراجع زوجها واختار أن يظل في المنزل لرعاية الطفلة، هو الأب الوحيد في اجتماعات أولياء الأمور، وهو من يقوم بعمل الاجتماعيات وحيدًا، ويبدو أنه لا يتذمر.
ولكن ما نعرفه بطريقة ما حتى قبل أن يظهر في الفيلم، أن “جولز” تعيش حياة اجتماعية تعيسة، فأمهات صديقات ابنتها يعاملنها بطريقة سخيفة، يجدها “بن” غير لائقة وغير مبررة، فيدافع عن “جولز” بكلمات ذكية أثناء غيابها. الضربة الأكبر لم تكن في خيانة زوج “جولز”، وإنما كانت في تفكير “جولز” أنها ربما هي السبب في جعله يخونها، فهي قد أصبحت في مكانة أكبر منه، مما هدد رجولته وجعله يحاول إثباتها بالخيانة، كلنا كنا نتوقع ذلك بشكل ما، حتى “جولز” نفسها. الوحيد الذي وقف في وجهنا جميعًا كان “بن” المتدرب العجوز، الذي قال إن عليه الآن أن يؤدي دور الفيمنست ليذكر مديرته الشابة الناجحة أن خيانة زوجها لها ليست خطأها ولا يجب أن تعاقب نفسها عليه ولا أن تتحمل مسؤوليته، فالخائن خائن، هكذا وبدون إعطاء أي مبررات، بينما تقوم “جولز” بترديد أن هكذا تسير الحياة، لا يجب على المرأة أن يعلو شأنها شأن الرجل، خصوصًا إذا كان زوجها.
نانسي مايرز، كاتبة ومخرجة هذا الفيلم، هي نفسها كاتبة ومخرجة فيلم “something’s gotta give” لدايان كيتون وجاك نيكلسون، والذي قامت فيه بعمل مقارنة بين شخصيتي الفيلم، “هاري” و”إريكا” على لسان أخت “إريكا”، فقالت إن كل ما يراه المجتمع في “إريكا” هو أنها سيدة كبرت في العمر وتطلقت وتعيش الآن بدون رجل، بينما هي كاتبة مسرحية كبيرة ومهمة، يضعون أفعالها تحت الميكروسكوب، بينما “هاري” الأعزب الطروب والذي يعرف المجتمع بكل نزواته الجنسية، فلا يتحدث عنه ولا يتساءل متى سيتزوج هذا الرجل، هو رجل، فليفعل ما يحلو له.
أميل إلى التفكير في أن آن هاثاواي قامت بتقديم الحياة المبكرة لـ”ميراندا بريستلي” في فيلمنا اليوم، وهي الشخصية التي قامت بتقديمها ميريل ستريب، وقامت آن هاثاوي بتأدية دور المساعدة الشخصية لها، كان هذا في 2006 في فيلم “the devil wears prada”. من ضمن العبارات التي قالتها “ميراندا” في هذا الفيلم، إنهم يلقبونها بالمرأة الحديدية، أو بالمرأة ذات القلب الحديدي، والتي تطرد الرجال من بيت الزوجية واحدًا تلو الآخر، فهي لا تستطيع الحفاظ عليهم بسبب حياتها العملية.
أتصور أن “جولز” عندما تكبر في العمر ستصبح “ميراندا” أخرى، ربما لهذا السبب قررت نانسي مايرز كاتبة العمل الانتصار للمرأة ولو لمرة واحدة، فجعلت زوج “جولز” يعتذر لها ويطلب منها السماح والغفران، أتى هذا المشهد تحديدًا شديد الفقر وسيئًا جدًا، ربما لعدم اقتناع الممثلين أصلاً بإمكانية حدوث هذا المشهد في الحياة الحقيقية.
ربما كان الهدف الأساسي من الفيلم هو إظهار فرق السن وفرق الخبرة بين المديرة الفتاة الشابة، والمتدرب الرجل العجوز، وكيف لهما أن يساعدا بعضيهما، وأن الخبرة الطويلة لكبار السن من الممكن أن يُعاد توظيفها، بصراحة هذه النقطة لم تستوقفني كما استوقفتني حالة رائدة الأعمال التي تمثلها “جولز”.
ولكن ما هو أكثر أهمية من كل ذلك، أن الفيلم بحق لطيف للغاية، وكوميدي وخفيف الظل حتى أنني ضحكت كما لم أضحك منذ فترة طويلة، أنصحكم بمشاهدة هذا الفيلم والاستمتاع بروعة أداء روبرت دي نيرو الكوميدية غير المفتعلة، وجمال ورقة آن هاثاواي.