بقلم: إيمان عرابي
هل صدمت؟ نعم خذلني أبواي. عندما طبعا في ذهني مع كل لطمة أني لا أستحق الحب. خذلني أبواي عندما أفرغا في شحنات الغضب التي تراكمت في أعماقهما منذ طفولتهما. خذلني أبواي عندما جعلاني نسخة منهما، أعامل أطفالي بنفس الطريقة التي كنت أكرهها وأرفضها منهما.
خذلني أبي
خذلني عندما كسرت طبقي في ذلك المطعم، ورأيت عينيه تنظران للناس من حولنا، وهو يحاول جاهدًا أن ينقذ نفسه من حرج الموقف، حتى ولو على حسابي. عندما رضي أن أكون مادة للسخرية في مجالس أصحابه، وشاركهم في الضحك عليَّ ولم ينظر لمشاعري ولا لجرحي.
خذلتني أمي
عندما اهتمت بدرجات امتحاني أكثر من اهتمامها بي نفسي خذلتني. عندما عاقبتني على كل درجة أنقصها، خوفًا على نفسها من أن تُتهم بالتقصير في أمومتها.
يولد الطفل وداخله توقعه أنه أهم ما في حياة والديه، وربما في الحياة عمومًا، وينتظر مع كل موقف توكيدًا منهما لهذه الفكرة، ليرسم صورته عن نفسه، هل هو إنسان يستحق الاحترام؟ هل يستحق الحب؟ هل له قيمة بذاته أم قيمته تنحصر في ماذا يقدم؟
كل عبارة أو كلمة أو حتى نظرة يقرؤها الطفل من والديه، تثبت له صدق توقعه، وتؤكد له قيمته، وتبني داخله ثقته واعتزازه بنفسه وسلامه الداخلي. أو تخذله، وتؤكد له خطأ توقعه، وأن هناك الكثير يأتي في المرتبة الأولى قبلي وأهم مني، نظافة البيت ودرجات الامتحان، والناس من حولي. فتضعف شخصية الطفل وتخفت قيمته في عين نفسه، ويدرك أنه يأتي في المرتبة الثانية، أو الثالثة أو الرابعة أو ربما الأخيرة.
فيجد الطفل أمامه بعد فترة من الزمن خيارين، يقوم بهما بلا وعي منه، فإما أن يستسلم لهذا الأمر ويسلم يديه، لنرى أمامنا شخصية بليدة، ضعيفة، مهزومة، بلا دافعية. وإما يصارعه إحساسه الداخلي بقيمته الحقيقية، لينغص عليه عيشه ويتركه دائمًا بلا راحة، فيظهر كره أو غضب أو عناد، أو ربما رغبة محمومة في النجاح، ولو على حساب نفسه ومن حوله.
هل يعقل أنني أخذل أطفالي؟
هل يعقل أنني مع كل حبي لهم واهتمامي بهم وجهدي وتفاني في خدمتهم وفي تربيتهم؟ هل يعقل أنني فعلاً أخذلهم. لنكن صادقين في كل موقف تنظر فيه إلى احتياجك دون احتياج طفلك، أنت تخذله. في كل موقف تختار فيه السلامة لدورك كمُربي مسيطر، على حساب سلامه النفسي أنت تخذله. في كل موقف ترضي فيه شخصًا آخر على حساب كرامته واحترامه لنفسه أنت تخذله.
مظاهر الخذلان كثيرة، يمكن أن يقع فيها أي منا دون قصد أو بتعمد، فقط تحتاج لأن نفتح عيون قلوبنا لنراها، ونحمي أطفالنا من خطرها، ونفهم انهم الأهم.