أضحى الجميع يتحدث في الأيام الراهنة عن خطورة البلاستيك على كوكب الأرض، وعلى المخلوقات الأخرى التي تشارك الإنسان المعيشة على هذا الكوكب، وطاردتنا جميعًا صور الحيوانات المائية والبرمائية والطيور التي تأذَّت بشدة من نفايات الإنسان، وعلى رأسها البلاستيك كونه مادة نتعامل معها جميعًا بشكل يومي.
تزامن مع هذه الحركة التوعوية، حركة أخرى تقلل من شأن التأثير الفردي في التغيرات السلوكية، لأن تأثير انخفاض استهلاك الفرد من البلاستيك على الوضع العالمي ليس بالقوة التي نتخيلها، ولكن بعد تطبيقي للتجربة على مستوى المنزل، أستطيع التأكيد أن أي فعل مهما بدا صغيرًا فهو في الحقيقة أكبر مما نتوقع.
فمنذ بدأت هذه الحملات في الظهور بحياتنا، دعمتها بشكل شخصي تمامًا، وبدأت أتحدث مع زوجي وأقنعه بضرورة فصل مخلفاتنا المنزلية، وبدأت بنفسي بالفعل، بل كنت أيضًا أغيظه كلما تناول مشروبًا في كوب بلاستيكي قائلة “السلاحف هتموت عشان إنت بتتمزج على حسابها”، حتى امتنع بالفعل عن شراء الأكواب الورقية المبطّنة بطبقة خفيفة من البلاستيك. وأصبح فيما بعد هو من يغيظني كلما تكاسلت ورميت كيسًا بلاستيكيًا في القمامة، “خلاص كرهتي السلاحف وقررتي تموتيها؟”.
نستطيع كلنا بشكلٍ أو بآخر المساهمة في إنقاذ هذه المخلوقات المسكينة، عن طريق خطوات بسيطة لن تؤثر كثيرًا في مجرى حياتنا اليومية، ولكن سيكون لها تأثير كبير على البيئة وعلى مستقبل الأرض التي سنتركها لأطفالنا، والذين من المفترض أننا أنجبناهم حتى يعمروا الأرض، من الممكن تطبيق بعض الخطوات الآتية كخطوة أولى.
اللانش بوكس ليس رفاهية
اعتاد الكثيرون السخرية من فكرة علبة الطعام أو اللانش بوكس، التي أصبح واجبًا أن نشتريها للأطفال من أجل المدرسة، وانتشرت الصور التي تتضمن مجموعة من الأكياس البلاستيكية، قائلة إن هذا كان اللانش بوكس أيامنا، وهذا حقيقي، ولكن لا يعني أنه الفعل الأصح، فاللانش بوكس يستمر وجوده مع الشخص لعام كامل، بينما الأكياس البلاستيكية نستبدلها كل يومين على أقصى تقدير ثم نرميها، لتظل معمرة في الأرض إلى ما لا نهاية.
بالطبع فكرة اللانش بوكس لا تنطبق على الأطفال فقط، بل واجب أن تمتد إلى باقي أفراد الأسرة، وليس بالضروري أن تكون علبة مقسمة وذات ماركة، فأي علبة حفظ طعام ستؤدي هذه الوظيفة. ينطبق الأمر أيضًا على زجاجات المياه البلاستيكية، فالأفضل شراء زجاجات بلاستيكية يمكن استخدامها أكثر من مرة، ولكل أفراد الأسرة، حتى تغني قدر الإمكان عن اللجوء لشراء الزجاجات البلاستيكية.
أفضل طرق إعادة التدوير على الإطلاق
أفضل هذه الطرق هو عدم استخدام أو الحد من استخدام الأغراض والأدوات البلاستيكية، التي تُستعمل لمرة واحدة، واستخدام أخرى مستدامة بدلاً منها، على سبيل المثال يمكن عمل الآتي:
استخدام حقائب قماشية أو حقائب بلاستيكية صديقة للبيئة، يمكن شراؤها من كارفور أو أيكيا، أو حتى إعادة استخدام الأكياس البلاستيكية المتينة بدلاً من أخذ المزيد من الأكياس البلاستيكية في المحال. كذلك من الأفضل شراء حقيبة يمكن طيّها من مكتبة “سمير وعلي” لوضعها في حقيبة يدك بشكل دائم، أو استخدام نفس الأكياس المتينة السابقة.
من الأفضل عدم شراء الأغراض الصغيرة في أكياس بلاستيكية، ووضعها في حقيبة اليد أو الظهر مباشرة، دون الحاجة إلى استخدام كيس بلاستيكي، وهذا الأمر ينطبق على الرجال ايضًا، فزوجي العزيز غالبًا ما تكون معه حقيبة كروس أو حقيبة ظهر.
أما بالنسبة إلى أدوات الطعام، فقدر الإمكان يُفضّل تناول الأطعمة في أدوات مستدامة تكون معكم في الحقيبة، مثل ملعقة وشوكة من المنزل، كما أن من الأفضل تناول المشروبات في أكواب زجاجية أو ما يماثلها، ورفض الأكواب الورقية أو البلاستيكية. كما يمكن تطبيق هذه الخطوات بشكل عام في مختلف التعاملات اليومية، لأن من الأفضل عدم استخدام المزيد من البلاستيك قدر الإمكان، أكثر من استخدامه ثم إعادة تدويره.
الحياة بلا مخلّفات على الإطلاق
عند البحث عن مصادر أجنبية لمعرفة أفضل الطرق للحد من استخدام البلاستيك نجد أن أغلب المواضيع بعنوان “zero waste”، ما تعني “الحياة بدون مخلفات على الإطلاق”، ويظهر أصحاب هذه التجارب حاملين علبًا صغيرة بداخلها بعض الأغراض القليلة، قائلين إن تلك هي كامل مخلفّاتهم في ستة أشهر.
هنا أنا لا أتهمهم بالكذب، ولكن الوصول إلى هذه الدرجة من الحد من المخلّفات هو أمر صعب، ويستلزم الكثير من التغيير في أسلوب المعيشة، ولكن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، أي أن في حالة عدم التمكن من التغيير الكامل والوصول إلى هذه الدرجة، هذا لا يعني الاستسلام وعدم استمرار المحاولة، للحد من الاستخدام الشخصي والمنزلي للبلاستيك والورق، الذي يستعمل مرة واحدة.
فبشكلٍ شخصي ورغم وعيي التام بضرورة الحد من البلاستيك إلا أنني أحيانًا ما أنسى إحضار حقائب التسوق، واضطر إلى أخد أكياس بلاستيكية من المحال. لا زلت أشتري الجبن والدجاج واللحوم في أطباق الفوم (الذي لا يمكن إعادة تدويره)، ولم أتوصل بعد لطريقة مُرضية تساعدني في شراء الفاكهة والخضار من كارفور، دون اللجوء إلى الأكياس البلاستيكية، ولم أستطع بعد الاستغناء عن الفوط الصحية واستخدام كأس الحيض “Menstrual cup”، وهي أمور استطاع غيري أن يحققوها، ولكني لم أستطع بعد الوصول إلى هذه الدرجة، ولا بأس في ذلك.
إعادة التدوير أسلوب حياة
عندما بدأنا في المنزل بفصل المخلفات، وجدنا أن حجم القمامة انخفض إلى النصف أو الثلث، حتى أننا اضطررنا إلى شراء سلة قمامة أصغر حجمًا للمخلفات العضوية، أو التي لا يمكن إعادة تدويرها، واستخدام الصندوق الكبير القديم في تخزين الأغراض التي سيعاد تدويرها.
هذا الأمر كان مفاجئًا للغاية، فاكتشاف أن أكثر من نصف المخلفات المنزلية مكوّن من بلاستيك وأوراق هو أمر لم نفكر فيه من قبل، ولكن بعد التجربة لعدة أشهر أصبح هذا أسلوب حياتنا في المنزل، أي أن الأمر ليس مستحيلاً، بالطبع هناك بعض الأخطاء أو الهفوات، ولكن الوضع أفضل من السابق بالطبع.
يجب الانتباه فقط إلى غسل كل الأدوات البلاستيكية قبل وضعها لإعادة التدوير، خصوصًا تلك التي كانت ملامسة للطعام، وتخريب الأدوات والعلب لضمان عدم إعادة استخدامها، ومن الأفضل بالطبع فصل البلاستيك عن الورق والكرتون والزجاج، والاتصال بأقرب مؤسسة لأخذها، مثل “جو كلين” و”جمعية المصباح المضيء“. والبعض يختصر الطريق ويعطي هذه الأدوات إلى “نبّاشين” القمامة بدلاً من أن ينبشوا صندوق القمامة الرئيسي وتشويه المشهد العام ونثر القمامة في كل الأنحاء.