مسلسل زي الشمس ولعنة سيزيف

862

تعتقد المرأة بأن توأم الروح هو الشخص الأنسب لها، وهذا ما يريده الجميع، ولكن توأم الروح الحقيقي ليس سوى مرآة، إنه الشخص الذي يريكِ كل ما يعيقك، الشخص الذي يلفت انتباهك لنفسك لكي تغيري حياتك، توأم الروح الحقيقي هو أهم شخص تلتقين به على الأرجح، لأنه يمزج جدرانك ويهزك بقوة لكي تستفيقي.

ولكن أن تعيشي مع توأم روحك للأبد؟ كلا؛ هذا مؤلم جدًا. فتوائم الروح يدخلون حياتك فقط ليكشفوا لك طبقة أخرى من ذاتك، ثم يرحلون. وشكرًا لله على ذلك. غير أن مشكلتك أنك لا تسمحين لتوأم روحك بالرحيل (مقتبس من كتاب eat pray love). أعتقد أن مسلسل “زي الشمس” لا يدور عن جريمة القتل ومتابعة رحلة البحث عن القاتل، كما قد يبدو لنا منذ الوهلة الأولى، ولكنه يتحدث عن معضلة توأم الروح لا أكثر ولا أقل.

نرى الأبطال يوصلهم بعضهم ببعض روابط حب مطلقة، وتأتي اضطربات علاقاتهم بعضهم ببعض بتبعية روابط الحب المطلقة تلك، فنرى “نيرة” (الأم) تتخذ من “فريدة” (الابنة) توأم روح لها، فيكون لوجودهما بحياة بعضهما بعض -نظرًا لحب الأم لابنتها غير المشروط- علاقة داعمة لكلا الطرفين على طول الخط، رغم خلافاتهم المتوقعة كأم وابنة، خصوصًا إن كانت الابنة بشخصية مختلفة مثل شخصية “فريدة”.

بينما تتخذ “نور” من “عمر” خطيبها الأول توأم روح لها، تدفن به وحدتها الاختيارية، وبُعدها عن نسيج الأسرة المكون من ثلاثة “فريدة” و”نيرة” وقيمة متغيرة تكمن في زوج الأم الجديد، لتُظهِر الأحداث مبررًا واضحًا لبعدها الاختياري هذا، بعد تذكرها لمحاولات تحرش تعرضت لها في طفولتها، من قِبل زوج أم ما اقترنت به ليحمل عقلها الذنب كاملاً على والدتها وأختها لكونهما الأكبر والأحكم، وكان بيديهما حمايتها من هذه التجربة القاسية.

لتلقي بـ”عمر” وتختاره في بداية حياتها كشاب ينضح بالحياة والحيوية، ويكون اختيارها له حينها مقنعًا. وتختاره للمرة الثانية بعد إثبات خيانته لها مع أختها، في مشهد مؤثر تعرض عليه بها مسامحتها الكاملة على خيانته الكبرى مع الأخت، في سبيل مصالحة تامة بعقلها، كون المخطئ الوحيد بالتأكيد هو الأخت، وما “عمر” إلا ضحية لألعاب الأخت. في مشهد أشبه بانتحار البجعة البيضاء أمام خسارتها لحب عمرها، في مقابل فوز البجعة السوداء الأدهى والأذكى بهذا الحب. وتختاره للمرة الثالثة بعد سنوات كانت كفيلة لأن تصلح جروح الماضي وتمحوها بشخصية جديدة تستحق الحب المنزَّه عن الأمراض وشوائب الماضي، متمثلاً في “مصطفى” زميلها بلندن، هذا وبالتزامن مع اتضاح عيوب شخصية “عمر” المطلقة بكل سوء معاملته للأخت، رجعيته، سوء أخلاقه وخياناته المتكررة، ليصير اختيارها له غير مبرر، إلا بكونها لا زال عقلها يربطه ارتباطًا شرطيًا بأوقات كانت بها سعيدة حين اختارته، خلاصًا لها من وحدتها الاختياريه.

أعتقد أن “نور” في علاقتها بـ”عمر” ما هي إلا ضحية للعنة السيزيفية التي نعاينها يوميًا في معاشنا، تعددت أشكالها وكثرت مظاهرها، في حين اختلفت أسماء العناوين التي نعطيها إياها، لعنة سيزيف تلاحقنا كلما أردنا حل مشكلاتنا القديمة بتجريب المناهج نفسها والطرق القديمة في توقع وانتظار نجاحها. تلاحقنا هذه اللعنة حتى في علاقاتنا الإنسانية المتشعبة المليئة بالأسئلة متعددة أبعاد بلاغتها مثل: لماذا أنا وليس الآخرين؟ لماذا هجرني وتركني؟ لماذا لم يعد حبه لي مثل الأول؟

تتشارك “فريدة” لرؤيتها الفوضوية الحرة للحياة كحجر أساس لأكثر من علاقة، تلعب بها دور توأم الروح، بينما حقيقة الأمر كونها هي الباحثة الأكبر عن هذا التوأم، والتي اكتشفت بعد فوات الأوان كون توأم روحها الأحن والآمن دومًا ما كان أمامها متمثلاً في أختها “نور”. فتراها متخذة كتوأم روح من قبل “سيف”، طالبها المتميز والضحية الأكبر برأيي بـ(dilemma) توأم الروح هذه. فتراه يمحور حياته وخيالاته وأحلامه كلها حولها، فيحكم على نفسه بالموت حبًا، بينما لا يتوقف ولو لثانية عن مواصلة دحرجة الصخرة إلى قمة الجبل، وانتظارها لتسقط من جديد وتسحقه، فيدحرجها صعودًا مرة أخرى.

أعتقد أن الحبكة الدرامية للعمل تجلت في كون أبطال القصة لم يعوا كونهم ضحايا للعنة سيزيف من الأساس، ربما حينها كانوا اختاروا التوقف والانقطاع عن دحرجة الصخرة. ولاختار كل منهم تحمل مسؤولية اختياراته وأفعاله دون إعفاء سواه منها، ربما كانوا ليختاروا تعلم العبر والدروس الحياتية دون حاجة إلى تكرار مستمر في رفع ودحرجة الصخرة، فمن المهم إدراك أن كل شيء ربما يقع لسبب لا نعرفه إلا بقراءة عكسية للوقائع والأحداث، والأهم هو أن نتصالح ونسامح ونصارح أنفسنا وغيرنا، ونتقبل وضعنا الجديد الذي آلت إليه اختياراتنا وأيام حياتنا. والأهم من كل ما سبق أن نتأكد أن الحياة ما خلقت إلا للحب، وربما أهم حب يجب أن نمارسه هو حب ذاتنا.

المقالة السابقةسوبر ميرو.. في محبة الضحك الصافي
المقالة القادمةلماذا لا أكتُب عن الأمومة؟!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا