inside out ..مشاعر فوضوية رائعة

833

يهل موسم دخول المدارس ويهل معه فيض من المشاعر المتنوعة، فرحة دخول المدرسة ومقابلة الأصدقاء وشراء الحقيبة والأقلام الجديدة، أو رهبة بداية عام جديد ومرحلة مختلفة وشهور من الاستيقاظ المبكر جدًا للحاق بموعد الطابور، ربما يصاحب ذلك وجع خفيف في المعدة له علاقة بصباحات سبتمبر التي تعلوها الغيوم.

 

وصغيرتنا في الحادية عشر من عمرها.. يقرر والداها الانتقال إلى عمل جديد، وبالتالي إلى مدينة جديدة، وبالتالي -وبكل أسف- إلى مدرسة جديدة.. فصول جديدة ومدرسون جدد وكذلك زملاء جدد.

 

مر الكثيرون منا بتلك التجربة المثيرة، الفرحة بالتغيير أحيانًا، والخوف منه عادة، والترقب دائمًا.

 

 

وكمستودع إلهي للمشاعر الثرية والمتضاربة، فإن الصغيرة “رايلي” تبدأ في التفاعل مع التغيير، وتحاول التأقلم، لكنها تحتار بين أن تسمح لنفسها بالحزن لفراق أصدقائها القدامى وكتم الحزن وتجاهله.

وفي الحقيقة فإن “رايلي” ليست هي البطلة هنا، بل مشاعرها: الفرحة، الحزن، الغضب، الخوف، والكبرياء أو التعالي.

 

ولأن بطلتنا على أعتاب المراهقة، فإنها لم تعد تلك الطفلة التي تسعد بمجرد لعبة صغيرة أو نزهة مع والديها، فمشاعرها أصبحت أكثر تعقيدًا، لم تعد ذات “زر” واحد تضغط عليه لتضحك أو تتركه لتبكي.

هذه الحالة الرائعة التي يجسدها لنا فيلم الرسوم المتحركة Inside Out، والذي أنتجته استوديوهات بيكسار في العام الحالي.

 

ندخل مع الفيلم إلى داخل دماغ البطلة الصغيرة “رايلي” التي هي مجرد مدخل لأبطال العمل الحقيقيين.. “المشاعر”. فالفيلم يجسّد المشاعر كأشخاص لهم جسد وملامح.

 

“الفرحة” تريد أن تتولى إدارة عقل “رايلي”، أما “الحزن” فإنه يتمنى أن يمس مشاعرها لجعلها أكثر حساسية تجاه الأشياء حولها، بل ويتمنى أن يلمس حتى الذكريات القديمة الممتعة ليصبغها بلونه القاتم فيغيّر مذاقها إلى الأبد.

 

تضطرب مشاعر “رايلي” بشدة مع أول يوم في مدرستها الجديدة؛ الجميع ينظرون إليها بفضول، تشعر بالخجل والغربة، فتبكي.

في لحظة ما تختل مشاعرها كلها فتختفي الفرحة ويختفي الحزن، ولا يبقى سوى الغضب والخوف والكبرياء، أو بمعنى أصح “الامتعاض” من كل شيء.

 

أما في عالم آخر، فإن الفرحة والحزن متجسدان في صورة شخصيات حقيقية.. يمران برحلة افتراضية لمحاولة الرجوع إلى “رايلي” المسكينة مرة أخرى لإنقاذها من الضياع، فبغيابهما تفقد ذكرياتها، بل وتفقد أيضًا ما لها من أحاسيس.

 

يتنقل بنا الفيلم بين عالم رايلي وأسرتها “الواقعي” وعالم “المشاعر” المتجسدة في هيئة أشخاص لها سمات وملامح مرسومة بعناية.

 

نمر خلال رحلة الفيلم بالكثير من الرحلات داخل العقل الباطن، الذكريات، صناعة الأحلام، وعالم أحلام اليقظة الخيالية، حيث يقدم الفيلم كل هذه التفاصيل بصورة ممتعة بصريًا للغاية، بالتأكيد وراءها جهد رائع في دراسة النفس البشرية المعقدة وإعجازها.

 

تقرر “رايلي” الهروب من منزل والديها والعودة وحدها لمدينتهم القديمة، وتحاول “مشاعرها” مجتمعة إنقاذها من هذا المصير، نتمنى كمشاهدين اختفاء مشاعر “رايلي” السلبية نهائيًا، لكن الفيلم يرينا بمهارة شديدة أن المشاعر كلها مهمة، والتنوع مهم، حتى “الحزن” الذي يمكنه أن ينقذ الإنسان في وقت تعجز فيه باقي المشاعر عن فعل ذلك.

 

نهاية الفيلم جميلة.. فحتى المشاعر لا تبقى على حال، بل تتشابك وتتعقد مع اكتساب الإنسان للخبرات. التعقيد هو أساس النفس البشرية، معجزة الخالق البديعة التي يصعب فهمهما ورغم ذلك قدمها لنا الفيلم ببراعة خلال ساعة ونصف من الإثارة العقلية.

 

فيلم يمكن قراءته على عدة مستويات هو فيلم بالتأكيد ممتع للصغار والكبار.. فيلم يستحق المشاهدة.

 

 

 

 

 

المقالة السابقةمش تحت السيطرة
المقالة القادمةالمغامرة تنادينا
سمر طاهر
مترجمة ومحررة أخبار بالإذاعة، وكاتبة سيناريو، وعضوة في اتحاد كتاب مصر.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا