نداء أخير للركاب.. نداء لاستعادة البصيرة

362

بقلم/ مروة سمير

 

في عنوان مميز، وغلاف أنيق ذي نظرة شجية، تأتي رواية “نداء أخير للركاب”، للروائي المصري أحمد القرملاوي، الحائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع المؤلف الشاب، والصادرة حديثًا عن الدار العربية للكتاب.
تتساءل منذ اللحظة الأولى عن مغزى النداء، لتجد أن الرواية تبدأ مباشرة بذروة الحدث، تختطفك السطور الأولى، لتتعرف مع بطل الرواية على هذا الأب الغامض المتوفى، وعن سبب فتور علاقتهما، ودون أن تشعر يأخذك “هاني رأفت عبد الصمد” لتبدأ معه الرحلة.

وصية مشروطة، بدت نهاية مستفزة لعلاقة غير سلسة، تُرغم “هاني” الذي يعيش مع زوجته الأمريكية في بلدها، ويعاني من تربية ابنته المراهقة، على الترحال لثلاث مدن كي يحقق شروط الوصية، ويحصل على الميراث.

ورغم إن الابن هو بطل العمل، فإنك تكتشف أن الأب “رأفت عبد الصمد” هو من يمسك بمقاليد الأمور، ويشدك للتعرف عليه واكتشاف ماضيه الثري والمعقد. تتجمع خيوط الحكاية في كل رحلة، تقترب أكثر منه، تنصت لرواة يخبرونك ما عرفوه من حكايته، وتكمل مع الابن فراغات الحكايات بقصص من خيالك، لتجد أنك بتَّ جزءًا من الحدث.

“أي لحظات الزمن تستحق البقاء؟ وأيها سألقي بها إلى العدم؟ ما الذي ساهم بدور أكبر في تشكيل حياتي الآنية، اللحظات الاستثنائية، أم تلك العادية؟”.

القرملاوي قلم مثقف، راقٍ، تلمس شجنه وعذوبة لغته في كل موقع من السرد، الذي جاء سلسًا ومشوقًا ليضاعف من جمال حالة الاستكشاف والترحال، فالرحلة لم تكن بحثًا، وإنما استكشاف لحقائق الماضي، وروابط الوطن، والتصالح والتفهم لمن حولك، ولو متمثلاً في الرؤية الجديدة التي ملأت قلب “هاني” الأب تجاه موهبة ابنته.
الرسائل الإنسانية الناعمة تتدفق بشفافية بين السطور، دون وعظ أو تفلسف، بل جزء أصيل من نسيج العمل.

 

“أسوأ ما في السعادة أنها تجركَ للتفكير في المستقبل، كيف تحتفظ بها أطول وقت ممكن؟”.

يدهشك قلم القرملاوي في سلاسة التنقل، بوصف رائع جذاب ما بين الكويت بقيظها، وأناقة مبانيها، بأصدقاء يحملون إخلاص الروابط بين الشعبين، تتعرف على مآسٍ إنسانية تزرع في النفس التقبل والتسامح، ثم تنتقل إلى النمسا بجمالها الطبيعي الخلاب، كمرحلة تنقية للفكر والروح، وتنتهي في سيوة ذات الطبيعة الخلابة الساحرة، وأصالة وقوة الجذور.

“انتبه جيدًا حين تبحث عن تحررك، فأقصى ما ستحصل عليه هو المزيد من حتمية الاختيار، وسرعان ما ستدرك ميزة القيد: سعادة أن تكون مرغمًا على الفعل، لا مطلق الحرية.”
رواية “نداء أخير للركاب”، نداء عذب لإيقاظ الرغبة في مواجهة الماضي، إعادة تقييمه، والتحرر من قيوده، نداء لانفتاح الروح والوصول للجوهر، لخلق بصيرة جديدة تضيء الرحلة والطريق.

 

 

 

المقالة السابقةالتنمر الوظيفي.. التنمر الذي نتعرض له نحن الكبار
المقالة القادمةكلانا نُتقن أساليب الابتزاز
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا