مسلسل “طريق”.. ليس بالحب وحده تنجح العلاقات

455

نظرة واحدة على أيِّ موقعٍ من مواقع التواصل الاجتماعي، كافية لنكتشف أن العلاقات أصبحت الهاجس الأكبر للكثيرين. المطلع على النتاج الأدبي الذي عُرض هذا العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب، سيكتشف أن هناك العشرات من الكُتب التي تناقش مشكلات العلاقات. لحظة تأمل واحدة لحياتك ستكتشف معها أنها قائمة بالفعل على شبكة من العلاقات، وأن جزءًا كبيرًا من مشكلاتك/ حيرتك/ عدم استقرارك نابع من هذه العلاقات.

 

غالبية الأعمال الدرامية التي أنتجت في العالم العربي في السنوات الأخيرة، ركزت على العلاقات وتعقيداتها، العلاقات بمفهومها الأشمل، وليس المقتصر فقط على العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة. على سبيل المثال، واحد من أنجح الأعمال الدرامية المصرية كان مسلسل “سابع جار”، مسلسل هادئ لا يحتوي أي تشويق أو إثارة، فقط يناقش العلاقات القائمة بين مجموعة من الجيران، ومع ذلك جذب إليه الكثير من المشاهدين.

 

في السباق الدرامي الرمضاني لعام 2018، عشرات المسلسلات عُرضت، لفت انتباهي من بينها مسلسل “طريق”. المسلسل إنتاج سوري لبناني. تحمست لمشاهدته لأن أحداثه مأخوذة عن قصة “الشريدة” للأديب العالمي “نجيب محفوظ”.

 

القصة سبق وأن قُدمت في الفيلم المصري “الشريدة”، بطولة “نجلاء فتحي” و”محمود ياسين”. تستعرض القصة طبيعة العلاقة بين رجل وامرأة من بيئات مختلفة تمامًا، وحال الحب عندما يكون الرابط الوحيد الواصل بين عالمين شديدي التناقض.

 

القصة المكونة من سبعين صفحةً كان من السهل تقديمها في فيلمٍ مدته ساعة ونصف، لكن التحدي الأكبر أن تُقدم هذه القصة على مدار ثلاثين حلقة، لذا نجد الفيلم يُركز على علاقة واحدة، إنما قدم المسلسل أكثر من شكلٍ للعلاقات.

 

العلاقة المثالية، هي العلاقة الحلم التي يطمح لها الجميع، التي توفر للشريكين القدر الكافي من الحب، الدعم، المشاركة، الانسجام، الصدق والالتزام. أو بصورةٍ أكثر علمية، هي العلاقة المحققة لشروط مثلث الحب الذي وضعه العالم “روبرت ستيرنبرغ”، وهي الحميمية والالتزام والعشق. فهل كانت العلاقات في مسلسل طريق، علاقات مثالية؟ الإجابة لا. فقد كانت كل علاقة تفتقر إلى ضلع أو ضلعين من أضلاع مثلث الحب.

 

أميرة وجابر

العلاقة الرئيسية في المسلسل، وهي العلاقة التي أصابتني بالحيرة الشديدة لتصنيفها إلى لحظة كتابة هذه السطور. “أميرة” امرأة جميلة فاتنة، محامية طموحة، لكن الفقر يحد من طموحها الجامح. تعيش وأسرتها المكونة من أم وأخت في بيتٍ صغير بجوار محطة بنزين تابعة له، لكن المحطة لم تعد تجني الكثير.

 

تُباع المحطة لـ”جابر السلطان” الرجل الأميّ واسع الثراء، ما يهدد أسرة “أميرة” بالطرد من البيت، ومع قلة موارد الأسرة، يبدو أن الشارع سيكون المأوى الوحيد لها، لكن شهامة ومروءة “جابر” تحول دون ذلك.

 

أحداث عدة تقع، تختبر معها “أميرة” شهامة هذا الرجل، فتقرر أن يكون هو زوج المستقبل. جربت الحب مرة وعادت منه جريحة القلب والكبرياء، فقررت أن تسلم العقل دفة القيادة، والعقل يرى أن الأمان المادي لها ولعائلتها هو خير ما في الدنيا.

 

“أميرة” الجميلة، المتعلمة، المثقفة، ذات الذوق الراقي، تطلب بنفسها الزواج من “جابر” الأمي، الجاهل، الفوضوي. ويتم الزواج الذي يبدو للمشاهد من بعيد أنه زواج المال بالجمال، لكن الحقيقة أن هناك بذرة حب طيبة بين الاثنين، تحتاج فقط لحُسن السُقيا والرعاية.

 

دائمًا ما تكون السنة الأولى للزواج متعبة وتحتاج الكثير من الجهد، حتى في الزيجات الأكثر تفاهمًا، فكيف ستكون الحال في زيجة تفتقر لأبسط أنواع الاتفاق، وهو الاتفاق على الطعام، فـ”أميرة” نباتية، و”جابر” يعشق الطعام وبشكلٍ خاص اللحوم، يعشق طبخها وتقديمها وأكلها، وبذلك يصبح الطعام بينهما مشكلة ومصدر إحراجٍ في المناسبات العامة.

 

يترجم “جابر” حبه للفعل الوحيد القادر عليه، وهو إغداق الأموال على “أميرة” وطموحها وعائلتها. تجد من خلاله وظيفة للعمل في مكتب شهير للمحاماة، وعندما تثبت كفاءتها يفتح لها مكتبًا خاصًا، فيكون اهتمامها بطموحها وعملها على حساب زوجها وبيتها، فتبدأ الخلافات والاتهامات.

 

هي لا تهتم به، متعالية عليه. هو يحد من طموحها ويحاول تحجيمها. هي لا تفهمه، هو لا يفهمها. والحقيقة أنه بالفعل لا يفهمها، هو الذي يقول دائمًا إنه لا يفهم المتعلمين ولا يحبهم، وهي لم تسعَ يومًا أن تنزل لمستواه الفكري وتحاول استيعابه، تنتظر أن يصعد هو الأمي بفكره المحدود ليفهم ما يعنيه العمل والطموح لها.

 

في العلاقة بين “أميرة” و”جابر” يصعب أن تحدد من الظالم أو المظلوم، لكن بالتأكيد لا يُمكن أن ننتصر لـ”أميرة” الفقيرة الطموحة، كما حاول المسلسل أن يوجه المشاهد ليفعل ذلك.

 

عبير وجنيد

تبدأ الدقائق الأولى من المسلسل بحوار قصير بين والدة “عبير” وأختها، تتشكيان من “جنيد” وتصفانه بعبارات من قبيل: “النحس” و”قليل المرؤة”. لقطة خاطفة لهاتف “عبير” ونجد “جنيد” يطل كخلفيةٍ له. من هذين المشهدين يُمكن استشفاف أننا أمام علاقة اعتمادية بالدرجة الأولى، وتتوالى الأحداث لتؤكد ذلك.

 

“عبير” نموذج للفتاة التي تتمحور حياتها حول الحب والحبيب، لا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة دون “جنيد”، يومها يبدأ بالحبيب وينتهي به، فهو إما معها بجسده أو عبر الهاتف. أما “جنيد” فهو نموذج الشاب الانتهازي، تستشعر أنه كذلك حتى من قسمات وجهه، لا يكف عن الشكوى والتذمر، لكنه يضمن بقاء حبيبته بإمطارها بالكثير من الاهتمام والكلام المعسول الذي يصبح فيما بعد إدمانًا.

 

علاقة غارقة في الرومانسية لكنها تفتقر إلى الالتزام الحقيقي، علاقة إدمانية مؤذية كادت أن تقتل “عبير”، واحتاجت معها أن تقابل الموت أو العجز وجهًا لوجه حتى تنتزع من “جنيد” التزامًا حقيقيًا، لم يكن ليقدمه لولا مساعدة الغير له.

 

مريم وجهاد

“مريم” مثال للمرأة القوية المستقلة، أنثى جميلة قوية تعيش بمفردها ولها مشروعها الخاص الذي يؤمِّن احتياجاتها المادية، مع ذلك ضعيفة للغاية أمام الحبيب وسطوته، لدرجة أن تُضيع من عمرها 10 سنوات مع “جهاد”، الرجل الذي يخشى أن يلتزم معها في علاقة علنية مقبولة اجتماعيًا.

 

تغض “مريم” الطرف عن كل مساوئ “جهاد”، تستقبل تحذيرات الأصدقاء ونصائحهم بأذنٍ وتخرجها من الأذن الأخرى، تصر حتى آخر لحظة على أن تتمسك به، وكأنها لا تريد أن تتخلى عن استثمار عشر السنوات، رغم أن كل الشواهد تشير إلى أنها كانت تزرع في أرضٍ بوار لن تنتج سوى الأشواك في أحسن الأحوال.

 

علاقة استنزافية. فـ”مريم” معطاءة ومحبة وملتزمة، في حين “جهاد” لا يرى فيها أكثر من جسد يعشقه، ويأتيه من وقتٍ لآخر، يمطرها بحلو الكلام وادعاءات المحبة، فقط ليجردها من مقاومتها، وليسرق عامًا آخر من أعوامِ حياتها.

 

سعاد ورياض

“سعاد” و”رياض” زوجان لديهما ابنة عشرينية، تشعر أنها الرابط الوحيد بينهما المبقي على هذه العلاقة، إلى جانب أطماع “رياض” التي لا تنتهي، والتي يغذيها العمل مع عائلة “السلطان” عائلة زوجته. أحيانًا تلمح في علاقتهما شيئًا من الحب والحميمية لكن سرعان ما يغيبان أمام أول بادرة خلاف، ربما كان هناك عشق وحميمية في هذه العلاقة، لكنهما أفلا مع تقدم السنين أو بزوغ أطماع “رياض”.

 

“سعاد” سمحت لأطماع رياض أن تكبر، أن يغترف من أموال عائلتها، لكن في مقابل ذلك كانت لها الكلمة الأولى والأخيرة في البيت، وكأنها تحتاج “رياض” فقط لاستكمال شكل العلاقة المقبولة مجتمعيًا.

 

“الهوى خلف الباب يحكي تنهيدات، على قصص ناس رسموا حكايات، الشمس ع غياب.. ها الدني خطوات، بمشيها بعذاب ليالي وساعات”.. هكذا غنت “هبة طوجي” شارة المسلسل، وأمتعتنا بصوتها العذب الذي امتزج بموسيقى الرحبانة العظيمة، لتؤكد أن العلاقات حكايات وطرق، ولتكتمل الحكاية أو الطريق نحتاج إلى خطوات، نحتاج الوقت والجهد، فليس بالحب وحده تنجح العلاقات.

 

مأخوذ من رواية “الشريدة” لنجيب محفوظ

 

المقالة السابقةاللي يحب بيضحي!
المقالة القادمةما هو الأمان العاطفي وكيف نشعر بالأمان مع من نحب؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا