لا تقل “وداعًا شاوشانك”.. بل قل أهلاً بالحياة

1132

كلما عُرِض فيلم “وداعًا شاوشانك” في التليفزيون أجلس لأشاهده، كأنني أراه لأول مرة -إنتاج عام 1994- انتظارًا لتلك المشاهد بين بطليه “آندي” و”ريد”، والتي تمثل بالنسبة لي حوارًا داخليًا في نفس كل إنسان حول أحقيته في فرصة ثانية.

فـ”آندي” موظف البنك الذي اتُّهِم زورًا بأنه قتل زوجته وعشقيها، فحُكِم عليه بالسجن طوال الحياة، هو الأمل بداخل أي إنسان الذي يدفعه للبحث عن فرصة ثانية لتصحيح أخطائه، والحصول على حياة جديدة، لتعويض ما فاته من السعادة.

 

أما “ريد” فهو العادات والتقاليد، بل هو الأفكار البالية التي تحبسنا دومًا داخل سجن غير مرئي يخبرنا أن الأمر انتهى ولا يمكننا خلق فرصة ثانية في الحياة، وأن علينا الاستكانة حتى لو بإمكاننا تغيير واقعنا.

وكأن كاتب الرواية “ستيفن كينج” يؤكد هذه الفكرة، فقد كان “آندي” هو الشاب الصغير، بينما “ريد” هو الرجل العجوز، وكأنه يقول لنا إن دومًا يوجد من التقاليد والقوانين التي يضعها الأكبر سنًا والتي ليس بالضرورة أن تكون هي الصحيحة، بل بالعكس، قد تكون قاتلة لأي فرصة ثانية في الحياة.

وعندما أصل إلى مشهد هروب “آندي” من السجن بعد 20 عامًا من خلال حفر نفق في جدار سجنه بمطرقة صغيرة جدًا، وخلعه لملابسه المتسخة تحت الأمطار، وهو يبكي بحرقة أبكي أيضًا معه، وأترك دراما الفيلم، لأتذكر الفرص الثانية التي حصلت عليها في حياتي والتي كانت دومًا باب الأمل بالنسبة لي لتصحيح أخطاء فادحة، أو اتخاذ قرارات متأخرة، أو الحصول على سعادة كانت دومًا هاربة.

فلولا الفرص الثانية التي منحها الله لي، لما استطعت أن أحيا دون شعور بالخجل من بعض الأشخاص في عائلتي ممن قدموا لي الحب غير المشروط، ولكن في المقابل كان هناك عدم تقدير مني حتى كدت أضيعهم، فكانت الفرصة الثانية بمثابة آلة تنبيه لكي أعبِّر عن امتناني لهم وأهميتهم في حياتي. أو شعور بالظلم من حقوق سُلِبَت وأخرى أهدرتها فكانت الفرصة الثانية هي الرحمة التي أحصل بها على تلك الحقوق وأعوضها، أو حتى شعور بالندم على أخطاء وقعت بها فكانت الفرصة الثانية هي الأمطار التي أمسح بها ذلك الندم القاتل.

أبكي وأنا أرى فرصي الثانية دومًا هدايا السماء في أوقاتي المظلمة، فكم من مرة شعرت أنها النهاية، وكم من مرة سمعت من تخبرني أو يخبرني أنه لا يوجد فرصة ثانية فلا تحاولي، ثم أجد ذلك الطريق السحري كأنه خُلِق من عدم للبدء من جديد. حدث ذلك معي عندما أخبرتني صديقة بأنني كبرت ولا فرصة لي في عمل ما، ولم أنسَ كلماتها “أنت متأخرة جدًا، لا فرصة ثانية لك فيها، افعلي ما شئتِ فالموت أقرب إليك من الحصول عليها”، وحدث ذلك في دراستي الثانوية والجامعية، عندما أُخبِرت أنني لن أبرح مكاني أبدًا مهما عملت بسبب درجاتي المنخفضة فلا مجال لفرصة ثانية، وثالثة في مشروع ما كنت أريد البدء فيه.

وهكذا بلا توقف.. كان هناك فرص ثانية تخفيها الحياة لي بين صفحاتها، كأنها ساحرة جميلة، قررت أن تقول لي لا تيأسي، هناك دومًا “فرصة ثانية” للنجاح ولتحقيق أحلامك وهزيمة فشلك.

ويشتد بكائي وأنا أتذكر تلك الفترة التي مررت بها والتي ظللت متعلقة فيها بالماضي أرثي ما فات من أقارب فارقوا الحياة وأحباب وصداقات وفرص ضائعة، ورفضت فيها منح نفسي فرصة ثانية للحياة أو للبدء في تكوين ذكريات جديدة. أعوام كثيرة لم أرَ فيها سوى الظلام والحزن، حتى جاء أبي بيد حانية رقيقة ليربت على روحي، ثم قال وهو يشير إلى قلبي: “خففي عنه وامنحيه فرصة ثانية للحياة، حتى لا يموت وتموتين أنتِ معه، فتعيشي بيننا بجسدك فقط”، فأحاول البدء مرة أخرى، ولكن بروح هشة تحبو نحو الحياة ولا تركض خوفًا وقلقًا فيساعدني من حولي على استعادة توازني بسعادة.

 

أمسح دموعي وأنا أعود للفيلم مرة أخرى، فأرى البطل “آندي” وقد عاد شابًا بعد أن آمن أن هناك فرصة ثانية في الحياة، فمنح نفسه صكًا بحياة جديدة بعيدة عن جدران السجن، يصنع السفن التي يحبها على شاطئ المحيط في المكسيك، بل وبعث رسالة إلى صديقه “ريد” العجوز يستحثه على القدوم والإيمان بأن الحياة ستعطيه ما يحب إن آمن بالفرصة الثانية، حتى لو قضى أربعين عامًا في السجن. ويتقابل الاثنان دون أي كلمات، فقط ابتسامة أمل كأنها تقول كل شيء، فأبتسم أنا أيضًا معهما وأشعر بالفعل بالامتنان للقدر الذي يمنحني ويمنح المئات غيري دومًا الفرصة الثانية في الحياة.

 

 

المقالة السابقةفرصة ثانية.. ثم قرار لا رجعة فيه
المقالة القادمةبالونة هيليوم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا