لاسكالا.. الحياة دومًا ما تعطينا “فرصة ثانية”

427

في الأغلب لا تكف الحياة عن إعطائنا فرصًا أخرى، ومحاولات ثانية، هذا يحدث في الأعم، وهذا ما أبرزته رواية “لاسكالا” للكاتبة نور عبد المجيد، فكانت فكرة الرواية الجوهرية متمثلة في أنه لا أحد له حق أن يفرض عليك طريقك، أو أن يحرمك من الحصول على فرصة، لتعيش الحياة التي تريدها أو تخوض الطريق الذي ترى نفسك في خطواتك عليه، مهما كان هذا الشخص يحبك، ومهما ورَّطك في الطريق الذي رسمه لك، دومًا يمكنك التحلي بالإرادة لكي تعود، تتعب.. تتعرض للمخاطر.. ربما تواجه الموت، لكنك في النهاية ستحصل على الفرصة الثانية التي تُمكنك من الوصول إلى نفسك وطريقك.

 

تُصدِّر نور عبد المجيد روايتها بهذه الكلمات “عندما يرسم لك أحد من تحبهم طريقك.. فلا تتبعه.. فهو يريد أن يرى نفسه فيك.. العرفان والاستسلام لا يصنعان صروحًا كبيرة! بداخلك شيء يختلف.. شيء يستحق أن تأخذ بيده.. لأنه خُلق لك وحدك، وله وحده أنت خُلقت”.

 

لا يوجد خيار أخير للأبد وحتى تحترق النجوم، بلا بديل، ولا طريق للعودة والرجوع، دائمًا حينما تحتاج أن تخطو خطوة للوراء توفر لك الحياة موضعًا لقدمك، كل ما علينا في هذه اللحظة أن تتوفر لدينا الرغبة والإرادة في العودة وفي الحصول على فرصة ثانية، وهو ما لا يتوافر في معظم الأحيان، فكثيرًا ما تهيئ لنا عقولنا أنه لا طريق يُمكننا من الرجوع، وأن ما نحن فيه مهما كان سيئًا هو ما سنبقى فيه إلى الأبد، وهذا ما يكون دومًا غير صحيح.

 

كانت إحدى معارفي تقول لي دومًا إنه لا طريق لها يُمكنها من العودة عمّا هي فيه، فقد وقعت في براثن زوج شرس، تسيطر عليه مجموعة كاملة من الأمراض النفسية، وكان قد أحكم قبضته عليها تمامًا، فقد قطع كل صلاتها بحياتها التي سبقته. كانت متزوجة من غيره، فتمكن من جعلها تنفصل عن زوجها وتترك ابنتها وتقطع صلتها بأمها وإخوتها وأصدقائها، لتجد نفسها لا يوجد في الحياة إلاه. كانت تقول دومًا إنه لا طريق لها للعودة، ولا أمل في الحصول على فرصة ثانية، ولا يُمكنها أبدًا أن تستعين بأحد من أهلها أو أصدقائها بعدما قطعت كل علاقاتها بهم. كنت أرى ببساطة أنها لا تريد العودة بصدق ولا ترغب أن تحصل على فرصة ثانية، مهما اشتكت وتوجعت وتألمت فهي لا ترغب بصدق في تركه، وربما لو رغبت لرأت موضع قدميها على طريق العودة بكل سلاسة وبساطة.

 

وهذا كل ما نحتاج إليه للحصول على فرصة ثانية، الرغبة الصادقة في الحصول عليها فعلاً، وليس مجرد الأماني الخادعة والتوهمات الفاشلة، التي تقودنا إلى أن نقول إننا لن نستطيع حتى دون أن نحاول. يلي الرغبة الصادقة الإرادة، وهي الشيء الذي لا نستطيع أن نجده بسهولة دومًا، والذي أرى أن بديله الأسهل والفعلي هو أن تضع نفسك أمام الأمر الواقع، وتبدأ في تنفيذ ما ترغب فيه بصدق فورًا دونما تلكع أو تأجيل.

 

في “لاسكالا” تقدم نور عبد المجيد شخصية “يسر” بطلة روايتها التي يرسم لها عمها طريقًا تعيش فيه بأحد أقاليم القاهرة، وتتزوج من ابنه، ليسيطر على مال ميراثها من أبيها، ويقنعها بأن أمها قد توفيت أيضًا، كادت “يسر” أن ترضخ، أن تقبل ما فرضته عليها الظروف والحياة، لكن شيئًا ما بداخلها جعلها تقرر أنها تستحق فرصة ثانية، لا يجب عليها أن تهمل الباليه الذي أحبته وورثته عن أمها، ولا يجب عليها أن تقتنع بأن أمها قد ماتت، فتهرب “يسر” من بيت عمها وتهرب في مركب مليئة بالشباب الذين يعبرون البحر المتوسط في هجرة غير شرعية، مُعرِّضة نفسها للموت في البحر بعدما كانت تنام في فراشها الوثير في منزل عمها وتعد لليلة زفافها، لكنها كانت تدرك جيدًا أنها لو كانت استسلمت لهذه الراحة المؤقتة كانت ستتعذب بعدها كثيرًا.. كثيرًا جدًا.. فقط لأنها ليست هي ولا تلك حياتها.

 

تهرب “يسر”، تواجه الموت، وتتعرض لصنوف العذاب، لكنها تحصل على فرصتها الثانية، تصبح من أشهر المطربات في العالم، تقابل أمها وتجد معها نفسها وطمأنينة روحها.. تحصل “يسر” على الحياة وتجد طريقها الذي كان سيضيع منها للأبد لو كانت استسلمت لأوهام الراحة المؤقتة والأمان الزائف.

 

لم تستسلم “يسر”.. حصلت على فرصتها الثانية بالرغبة والإرادة، وهكذا تقول لنا الحياة في رسالة يومية.. يمكننا دومًا أن نحصل على فرصة ثانية مهما كانت الظروف صعبة وقاسية والطريق يبدو مغلقًا.

 

 

المقالة السابقةازاي اعمل كارير شيفت؟ افكار كارير شيفت وتجارب مفيدة
المقالة القادمةكله تمام
نيرة الشريف
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا