كُلنا مدمنون لا أستثني أحدًا

658

أنا بحب مسلسل #تحت_السيطرة، ومش عارفة ليه فيه هجوم كبير عليه بالشكل ده!

يمكن لأني مبقدرش أشوف الميديا سبب كل شرور العالم، آه هي أكيد فَن مؤثر يقدر يحُطلنا السِم في العسل ببساطة وبخُبث، لكن ده مينفيش فكرة إن كل واحد حُر في اختياراته ومحدش ضربه على إيده. 

 

بيقولوا المُسلسل بيشجع على الإدمان.

بيشجع إيه يا جماعة؟! إنتم مش شايفين إزاي كل اللي “بيضربوا” في المسلسل حالهم كَرب، وحياتهم يا بايظة يا باظت يا هتبوظ؟ مهما كانت الجناحات اللي بتديهالهم المُخدرات عشان يطيروا فــهُمّ في النهاية حدودهم أضيق مما نتصوَّر.

والسبب في إنهم يلجؤوا للإدمان في الأساس إن حياتهم ناقصة حاجة بيحاولوا يكمِّلوها بالشكل ده، طب هل حياتهم بتكمل فعلاً؟

أكيد لأ،كل اللي بيحصل -في اعتقادي- إنهم بيوصلوا لحالة من الخِفَّة مش بتديهم شعور بالامتلاء على أد ما بتوصلهم لحالة من الرضا والهدوء النفسي أقرب ما يكون للزُهد، حاجة كده زي اللي واخد بِنج أو مُنوِّم، قبل ما يسَقَّط بيبقى كأنه بين عالمين، مع الناس ومش معاهم، كل حاجة تقيلة لكن هو خفيف، وكل ده طبعًا بيخلص بنهاية مفعول المُخدِّر ورجوع الصَخَب الداخلي من تاني.

 

المُرعب في الموضوع إن ضغوط الحياة ورِتمها المُرهق وغير المُنصف في كتير من الأوقات ممكن يخلّينا نِفسِنا نفقد السيطرة ونسيب روحنا لحاجة أكبر مننا تبلعنا يمكن نرتاح، وهنا بيختلف رد فِعل إنسان عن التاني، وإن كان المتوقَّع إن الغالبية هيلاقوا حاجات كتير تمنعهم من الوقوع في الغلط، زي الحُرمانية، خوفهم على نفسهم، معرفتهم إن ده مش حل أصلاً، وطبعًا بُعدهم عن رفاق السوء اللي ممكن يشدوهم للحفرة دي.

 

القَصد.. محدش هيروح يدِمِن عشان لقى ممثله المُفضل بيتعاطى، اللي هيعمل ده هيبقى حد عنده الرغبة والدوافع والإمكانيات كلها من الأول، هو بس كان مستني الشماعة اللي يعلق عليها هزيمته.

 

بيقولوا المُسلسل بيعلم الناس إزاي تشرب مُخدرات، تشم بودرة، تحقن نفسها هيروين.

لا يا شيخ! يعني اللي عايز يتعلم هيستنى دقيقتين تلاتة خمسة كل حلقة عشان يتعلم؟ مفيش طُرق أسهل ممكن يوصل بيها؟ هو اللي عايز يتعلم أصلاً بيتعلم من المسلسلات دلوقتي؟ ثم لو حَد متابع فعلاً هيشوف تقطيع الكادرات اللي بتحصل وقت “الضَرب” واللي بتكون مَعنية بحالات الأبطال النفسية أو الجُسمانية أكتر من إنهم يعملوا زووم بالكاميرا على طريقة التعاطي.

 

أنا مش بدافع عن المُسلسل في المُطلق على فكرة، أنا بس رافضة فكرة الشماعة، عشان الحياة والنِت والتكنولوجيا بقوا بيُبيحوا لأي حد كل حاجة وطول الوقت. وإن كان ده لا يتعارض مع فكرة إن من حق أي حد مش راضي عن العمل ده وشايفه مُضرّ إنه ميتفرجش عليه، لكن ده ميمنعش تفنيد الأسباب والرَد عليها بمنطقية مش أكتر، من باب الأخذ بالأسباب.

 

بيقولوا المسلسل مبيقدمش حاجة جديدة، وإن الإدمان اتهرس في كل الأفلام العربي قبل كده.

الإدمان اتهرس في كل الحاجات قبل كده دي حقيقة، بس خلينا نقول إن أي فكرة ممكن تتقدم ملايين المرات عادي طالما بتتقدم بدون ابتذال أو تكرار، ومحدش يقدر ينكر -إلا لو كان مش متابع المُسلسل- إن مريم نعوم قَدِّمت الفكرة بشكل جديد ومن زاوية مُختلفة تمامًا.

 

آه طبيعي المُقدمات تكون واحدة، بعض التفاصيل تتشابه، إنما المضمون يا إخواننا، المضمون! المسلسل مش بس عن الإدمان، لأ ده الأهم إنه عن التعافي، عن اللعنة اللي بتصيب المُدمن حتى بعد ما يبطَّل، عن الوقوف على حافة الرجوع لورا مهما الزمن مَرّ، عن المُجتمع اللي بيكون أحد أسباب رجوع المُتعافي للإدمان لأنه بيرفض يقبله زي ما هو أو إنه يغفرله ماضيه، أو حتى إنه يثق فيه ويبدأ معاه صفحة جديدة بغض النظر عن كل اللي حصل قبل كده.

 

الحدوتة عن حاجات كتير أكبر من سرنجتين واصطباحة، الموضوع أكبر حتى من فكرة إدمان المُخدرات نفسها، لأن في الواقع قطاع كبير من الناس -وأنا منهم- مُدمنين بالفعل، الفرق إننا مُدمنين بس لحاجات مسموحة، حاجات مش مُضرة في ذاتها، إنما لما بتزيد عن الحَد وتشغل مساحات الحاجات التانية اللي في حياتنا بيبقى غلط.

 

الإدمان مش لازم يكون حاجة واضحة وصريحة الكُل بيُجمِع على ضررها وقدرتها على الإيذاء، أد ما الخطورة أحيانًا بتبقى في عدم قُدرتنا على السيطرة على نفسنا في الفِعل نفسه، وده مع الوقت بييجي على حساب حياتنا وأسرتنا ونَفسنا.

 

الإدمان يدُق الأبواب زي ما بيقولوا، وكل واحد فينا أدرى بنفسه إذا كان فتح الباب ولا لسه، وهل حياته في خطر ولا قادر يوزان أموره، والأهم يوم ما يحب يبطّل هيعرف يعمل ده فعلاً ولا هيقع وينتكس ويعيش حياته كلها بيقول على كل مرة يبطَّل فيها اللي بيدمنه دي آخر تبطيلة، ومتطلعش الأخيرة.

 

فيا ريت نبطل إطلاق الأحكام على بعض، لأن حتى لو اللي بيحكُم مش مُدمن لأي شيء فده برضو مش مُبرر كافي لرمي المُدمنين بحَجَر، الحياة صعبة على الكُل، فيا نكون طوق نجاة لبعض، يا علَى الأقل منكونش الحَجَر اللي بيجيب اللي بيغرق الأرض

المقالة السابقةما تيسّر من سيرة الخايفين
المقالة القادمةخواطر متناثرة عن التبرعات
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا