عودة ماري بوبنز.. كيف ينقذنا السحر من إخفاقات الحياة

568

هل شعرت يومًا بالرغبة في الرقص في الشارع دون تفكير في كلام الناس؟ هل ضبطت نفسك يومًا ترغب في الغناء إذا سمعت موسيقى أعجبتك، والتصفيق دون أن تخشى نظرات من حولك؟

 

إذا كانت الإجابة بنعم، فأنصحك إن تكون حريصًا وأنت تشاهد فيلم “عودة ماري بوبنز”، لأنك لن تتمالك نفسك أمام جماله الفني والموسيقى المبهرة، وسيتأرجح حالك ما بين تصفيق خفيف وخبطات قدم تتفاعل مع أغانيه الساحرة، بينما في بالك تحسد أبطاله على حريتهم في الغناء والرقص، أو تضرب بكلام الناس عرض الحائط وتنطلق في الرقص والتصفيق مع أبطال الفيلم، كما حدث من بعض المتفرجين في السينما.

 

فيلم “عودة ماري بوبنز” أو “marry Poppins return” هو آخر إنتاجات شركة والت ديزني السينمائية، والذي يحكى قصة المربية “ماري بوبنز” ذات القدرات السحرية، التي تعود إلى خدمة أسرة “مايكل بانكس” وأبنائه الثلاثة بعد وفاة زوجته، والذي تولى تربية أبنائه هو وأخته “جين” في صغرهم.

 

وفي ظل الأزمة المالية الحادة التي يعاني منها “بانكس”، بسبب عدم قدرته على سداد قرض حصل عليه، لدفع تكاليف علاج زوجته قبل وفاتها، يحاول الأبناء الثلاثة بدعم من المربية “ماري بوبنز” مساعدة والدهم، للوصول إلى حل، خصوصًا بعد تهديد البنك بطردهم من المنزل.. وتتوالى الأحداث.

 

ينتمي الفيلم إلى فئة الأفلام الموسيقية الغنائية، التي باتت تعود إلى صالات السينما بعد غياب لفترة طويلة، فخلال السنوات الثلاث الماضية كان هناك أفلام موسيقية حققت ناجحًا باهرًا، مثل “land la la”، و”star is born”، و”bohemian rhapsody”، أما الفيلم نفسه فهو حالة خاصة بسبب تصنيفه العائلي، وجمهوره الأساسي من الأطفال، حيث حاولت ديزني تقديم دروس للأجيال الصغيرة في حب الحياة والتغلب على المعوقات التي تواجه المرء بالأمل، من خلال الأسطورة الإنجليزية الشهيرة المربية “ماري بوبنز”.

 

جمال الفيلم يبدو في قدرته على التحليق بالمشاهد إلى عالم خيالي رحب بلا قيود، فالخيول يمكنها أن تتحدث، والأسماك لا تخشى الطيران، والإنسان يصل إلى السماء بالدراجات، والطائرات الورقية يمكنها إنقاذ أسرة، فتتسلسل إلى قلبه السعادة قطرة قطرة مع كل أغنية وكل رقصة، وتحيطه بلورة من السلام النفسي يتمنى لو أنها تستمر إلى الأبد، لا لساعتين فقط هما مدة الفيلم.

 

وعلى الرغم من سيطرة الفانتازيا والخرافة على حدوتة الفيلم، فإن المشاهد سوف يتقبلها بنفس راضية، فهي تفصله قليلاً عن العالم الخارجي بجماله المصطنع وبقسوته المفرطة وشروطه التعجيزية، التي تجعل الإنسان لا يتوقف عن الركض، ولا يسُمح له بالتقاط الأنفاس. فيتنقل المشاهد إلى أجواء الثلاثينيات في بريطانيا، في فترة عرفت باسم “الكساد الكبير”، كانت فترة قاسية اقتصاديًا على أوروبا كلها، ولكنها كانت تتميز بالأجواء الحميمية، حيث البيوت القديمة الواسعة ذات الديكورات والزخارف المميزة، والأهمية القصوى لقيمة الترابط الأسرى متمثلة في العائلات الكبيرة التي تعيش معًا والحارات الضيقة الجميلة، وتقدير العلاقات الاجتماعية في الحياة سواء صلات قرابة أو صداقة، فلا تجور عليها قيم العمل أو تحقيق الذات أو الطموح.

 

أغاني الفيلم هي البطل الحقيقي الذي اختاره المخرج “روب مارشال” لتقديم رسائل الفيلم الخفية، ففي كل أغنية حكاية، وكل أغنية هي وحدة قائمة بذاتها، ويمكن اعتبارها فيلمًا قصيرًا داخل الفيلم نفسه، بداية من أغنية “سماء لندن الجميلة” ذات الموسيقى الهادئة الحالمة، التي تقدم رسالة عن جمال الحياة البسيطة وتفاصيلها التي لا ننتبه لها، ثم أغنية “محادثة” التي تتحدث عن مفارقة الأحباء وعدم قدرتنا على تجاوز غيابهم في الحياة، والتي يؤديها “مايكل بانكس” ويُحدِّث فيها زوجته المتوفاة ويخبرها بآلامه، ثم الأغنية الساحرة “هل يمكنك أن تتخيل ذلك؟”، وهي الأغنية التي تعتبر “ماستر سين” في الفيلم بسبب كم المؤثرات الصوتية والبصرية فيها، فهي تمزج بين الرسوم الكارتونية والبشر، وتؤديها “ماري بوبنز” مع الأطفال وهي تتحدث عن أن الحياة تمتلئ بكل الاحتمالات الممكنة، فلا ينبغي علينا التركيز على الأمور السيئة التي تحدث لنا فقط.

 

كذلك أغنية “الغلاف ليس محتوى الكتاب” وهي استعراض غنائي يشجع الأطفال على القراءة وعدم الحكم على الأمور من الخارج. ثم تأتي الأغنية الحزينة والجميلة “المكان الذي تذهب إليه الأشياء الضائعة”، وهي أغنية ليست موجهة فقط للأطفال، بل أيضًا للكبار، وهي تحكي عن فقد الأشخاص والأشياء التي نحبها، وأنها لا تفارقنا حقًا بل تتحول إلى ذكرى ثابتة بداخل قلوبنا. وغيرها من الأغاني التي تلون الحياة بألوان قوس قزح في عين المشاهد.

 

يمثل الفيلم الجزء الثاني من فيلم “ماري بوبنز” الذي أنتج عام 1964، وترشح لخمس جوائز أوسكار وقتها، وحصلت بطلته “جولي أندروز” التي على جائزة أوسكار أحسن ممثلة، وتجاوزت إيراداته وقتها إلى 102 دولار، وهو ما نجح الجزء الحالي في تحقيقه، فقد تصدر شباك التذاكر على مستوى العالم وحقق إيرادات تجاوزت 309 ملايين دولار، بعد أن استطاعت “إيميلي بلانت” تقمص شخصية ماري بوبنز التي تجمع بين المرح المشوب بقدر من الحكمة والعنجهية بشكل لا يصدق، حتى ينسى المرء تلقائيًا شخصية “بلانت”.

 

وإحياء ديزني للحواديت والأساطير القديمة وتقديمها للجيل الجديد بشكل يناسب زمنهم هو أمر جيد فنيًا واجتماعيًا، حيث يساهم ذلك في صنع رابط مشترك بين الأجيال القديمة والشابة، وخلق حوار بينهم حول القيم التي تربوا عليها، والتي يمكن نقلها لهم، فـ”ماري بوبنز” أسطورة إنجليزية وشخصية اخترعتها المؤلفة “بي إل ترافوز”، لتقدم من خلالها نموذجًا للمربية الصارمة التي تنقل العادات والتقاليد الصحيحة للأطفال، وقد ظهرت الكثير من الأفلام التي تتحدث عنها، ولكن أشهرها هو ما قدمته ديزني، لتبقى”بوبنز” خالدة إلى الأبد على مدار أكثر 50 عامًا.

 

وفي النهاية فيلم “ماري بوبنز” هو من الأفلام التي يجب على الجميع مشاهدتها، فهي تدفع الإنسان لحب الحياة، والإيمان بأن هناك فرصة في كل محنة، أو كما تقول “بوبنز” للأطفال دومًا: “كل شيء ممكن، حتى المستحيل قد يتحول إلى ممكن”.

 

 

 

المقالة السابقةما هي قصة سندريلا الحقيقة الكاملة، قصة سندريلا والأمير
المقالة القادمةالسلطانية وحكايات الزمن الجميل
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا