بقلم/ ندى محسن
إن سألتني عن أفضل فيلم شاهدته في حياتي، سأغرق في مقارنات ومعادلات لا نهائية، أحتار أي قسم أختار لك، وأسرح دقيقة في تذكر اسم الفيلم، وعشرة فيما قد يجعلك هذا الفيلم تكونه من انطباع عني. ولكن اسألني عن أسوأ فيلم شاهدته في حياتي، سآتي لك بعشرة أفلام مع الأسباب ولن أتوقف لساعة عن الضحك.
الأفلام هي حكاية، رحلة، استراحة تأخذها من تدبير الأمر لنفسك طوال الوقت، تجلس وقد استسلمت لمدة ساعة ونصف أن المصير ليس متوقفًا على شيء تفعله، أنت في أمان من العواقب، لذا تسرح مع الأفلام مشجعًا أبطالها على فعل كل ما لا يمكنك أنت فعله، فتح كل باب ممنوع، تحقيق كل فكرة مجنونة، المغامرة بكل شيء، لذا قد يحكي فيلمك عنك الكثير، ويعكس حتى ما تخشى أن تعترف بوجوده.
أول Movie club
في بداية زواج أنتيمتي، كان لدينا ذلك الطقس الأسبوعي، تصنع هي الفشار وأشتري أنا الشيتوس أو البيبسي، ويأتي زوجها بالفيلم، نتراص إلى جوار بعضنا على الكنبة الرصاصية، بنفس الترتيب دائمًا، حيث تفصل هي بيني وبين زوجها، نطفئ الأنوار، ونشاهد فيلمًا، ولأن الفيلم كان دائمًا من اختيار “محمود” فقد كان مضمونًا، شاهده من قبل ويعرف أننا سنحبه، لا مفاجآت، كان هذا حتى انتهت الأفلام المسجلة على جهازه وبدأنا رحلة البحث.
طقوس مشاهدة الأفلام
إن كان اختيار الصديق في العموم شيء صعب، فإن اختيار الصديق الذي تدخل معه إلى فيلم هو خطوة أكثر صعوبة، فأنا على سبيل المثال، لست من الأشخاص الذين يسكتون من أول ثانية في الفيلم وحتى آخره، ولكنني قد أقتلك إن أجريت مكالمة هاتفية بجواري. أعرف صديقًا كان لا يدخل السينما إلا بمفرده، وعندما جاورني في فيلم وثائقي عن يهود مصر في تل أبيب، كنا وحدنا فقط نضحك في قاعة مركز ثقافي مرموق، أحب وقتها التجربة، ولكن اعترف أنه لن يجربها في شيء جاد مرة أخرى.
أما عني، فأنا أفضل الصحبة في كل شيء، حتى عندما أكون وحدي بالمنزل، كنت أتصل بصديقة لي أيام الجامعة عبر سكايب، ونعد معًا تنازليًا، ونشاهد نفس الفيلم بنفس التزامن، ولا زال هذا العقد بيني وبين أقرب أصدقائي، الذي يبعد ذوقه عن ذوقي بعد تفكير فتاة سبيس تون عن مراهق يقضي ليلته بين ألعاب الحروب وأفلام السوبر هيروز في السايبر، ولنا قاعدة واحدة: نفسد الفيلم السيئ ولا يفسد هو علينا ليلتنا.
أنا لا أرفض مطلقًا مشاهدة أي فيلم، ولكنني لا أذهب بمحض إرادتي للأفلام الرومانسية، لأنه دائمًا ما تختبئ مفاجأة غير سارة هناك، لا أعرف لماذا ربطوا الحب بالسرطان، وصرت كلما شاهدت فيلمًا دافئًا به علاقة مثالية، خمنت من منهم يعد أشهره الأخيرة في الحياة، أصبحت رومانسية المرض هذه تثير غضبي، وكلما رأيت أحد تلك الأفلام على Mbc 2، قلت لهم “لأ عيطوا إنتم مليش مزاج أعيط”.
قواعد اختيار صديق الأفلام
١- لا تحكم على فيلم أبدًا من آراء الناس فيه، من أفيشه أو دعاياه، أو الأعمال السابقة لبطله.. شاهده واشتمه عن علم واقتناع.
٢- عهد صداقة الأفلام لا يشترط أبدًا الذوق الموحد، ولكنه يشترط دائمًا الانفتاح على أكثر من نوع من الأفلام، ويا حبذا لو كان بأكثر من لغتين.
٣- عن نفسي أتوقف تلقائيًا عن مناقشة الفريق الذي لا يشاهد الأفلام العربية، كيف إذًا سأثق في قدرتك على الرد والمزاح والسف معي؟
٤- ليكن لك دائمًا أكثر من صديق للأفلام، أحدهم متخصص في الأكشن، وآخر في الدراما، وخبير في الرسوم المتحركة، ينوّع هذا تجاربك أكثر.
٥- على كل هذا الكم من تقبل الآخر، هناك بعض الأشياء التي يجب أن تكون مشتركة، إن كنت من محبي التعليق على الأحداث -زي حالاتي- لا تدخل السينما مع صديق صامت يعتبر المشاهدة طقس روحاني كالصلاة، يجب أن يتم بلا مقاطعة.
٦- إن كنت عميقًا تدخل السينما بحثًا عن السيناريو الجيد وحركة الكاميرا الفنية التي تلقي عمقًا على رمزية قدم الممثل، فأنصحك باصطحاب طائر على شكلك، لكي لا تفسد متعة فتاة تعيسة مثلي، تعرف الفيلم من القصة والإقناع فقط.
بعد كل هذه المعاناة، ماذا لو كان الفيلم سيئًا؟
عن نفسي شاهدت عشرات الأفلام الجيدة، التي أحببتها واندمجت معها وخرجت منها وقد لازمتني حالتها وفكرتها لفترة، إلا أن أمتع أوقاتي الحقيقية، قضيتها في إفساد العديد من الأفلام السيئة التي ارتطمت بها في رحلة بحثي عن فيلم الأسبوع، فبينما قد يغير فيلم جيد وعميق مودك وطريقة تفكيرك، ففيلم سيئ قادر دائمًا على خلق ليلة كوميدية ترتفع فيها أصوات الضحك إلى السماء.
وأخيرًا.. وبينما يحكي فيلمك المفضل الكثير والكثير عن ما كنت تتمنى أن تصير إليه، عن نوعية الأشياء التي تفتقدها، وغالبًا ما يخفي المرء فيلمه المفضل الحقيقي ويذكر فيلمًا يظهره بمظهر وقور وعميق أمام السائلين، فلا أفضل من سؤال “أسوأ فيلم شاهدته” لبدء محادثة حقيقية وصادقة، مع شخص تود التعرف إليه عن قرب، وإن جاءت الإجابة غادرة باسم فيلمك المفضل، فبركة يا جامع وقوم شوفلك حد تاني تتصاحب عليه.