الأراجوز المصري: تاريخ فن الأراجوز في مصر وعرائس الأطفال

2442

الاراجوز أشهر الدمى المصرية على الإطلاق، رأسها الصغير مصنوع من الخشب الخفيف، تحمل تعابير رجل نحيف ملامحه ساخرة، يرتدي طرطورًا من القماش الأحمر وعباءة حمراء مزينة بالتطريز الأصفر.

يحركها الفنان من خلف لوح من الخشب يقال عليه “المسرح”، وهو عبارة عن عربة على هيئة صندوق، مرسوم عليها صورة للأراجوز وبعض الشخصيات التي تشاركه في التمثيل، وفي مقدمة العربة ستارة سوداء.

يحرك الفنان رأس العروسة بالسبابة ويحرك يديها بالإبهام والوسطى.. ويُعَد الأراجوز جزءًا محوريًا مهم في حكي الحدوتة في التراث الشعبي.

الأراجوز المصري

متى بدأ فن الأراجوز المصري؟ وما معنى اسمه؟ لا يُعرَف بالتحديد متى بدأ فن الأراجوز، ويقال إنه في العصر الفرعوني. وكلمة “أراجوز” كلمة مصرية قبطية قديمة تعني “أرجويوس”، ومعناها “فعل الكلام”، ومنها اشتقت كلمة “أراجوز”. ويقال أيضًا إنه اسم يعود إلى العصر العثماني، حيث كان يسمى وقتها “قراقوز” أو “الأرا أوز”، وتعني الـ”عين السوداء”، وسُمي بهذا الاسم ليعكس فكرة النظر إلى الحياة بمنظار أسود. وازدهر هذا الفن الساخر في أواخر العصر المملوكي قبل الغزو العثماني لمصر.

هل فن الاراجوز للاطفال فقط؟

في العصر الحديث ظهر الأراجوز على مسرح العرائس الشعبي الذي تأسس عام 1960وليس كمسرح للأطفال، على يد المونولوجست والفنان المصري محمود شكوكو الذي كان يلقب بـ”اشارلي شابلن العرب“، وهو فنان خفيف الظل مبتسم الوجه، كان يؤدي عروضه بشكل مميز، حيث كان يرتدي جلبابه البلدي وعصاه وطرطوره الشهير، ليقدم عروضه هذه مصاحبة مع الأراجوز، بعد أن تفرغ تمامًا في أواخر الأربعينيات ليصنع العرائس الخشبية التي قدم بها تلك العروض.

ومن هذه العروض “السندباد البلدي”، “الكونت دي مونت شكوكو”، حتى افتتح مسرح العرائس الشعبي. ويقال إنه كان لا يجيد القراءة والكتابة، ولكنه اجتهد ولم يخجل من ذلك، لكن علَّم نفسه القراءة والكتابة وبعض من كلمات اللغة الإنجليزية والفرنسية، ليس ذلك فقط بل كان يكتب أغاني الأراجوز ويدمج اللغة العربية باللغة الإنجليزية بطريقة ساخرة مبهجة ومضحكة.

ومن شدة حب الناس لشكوكو في هذه الفترة وتجاوبهم معه ووصوله لقاعدة عريضة من المشاهدين، كانت تُصنَع عرائس أراجوز تشبهه بنفس زيه المعروف، وتُباع في الأسواق بكمية كبيرة، كما صنعوا له تماثيل من السكر كانت تباع في الموالد، ما يوضح مدى تأثير فن شكوكو على مستوى القاعدة الشعبية وحب الناس له. وذاع صيته أكثر لدرجة أن قام الموسيقار محمد عبد الوهاب بتلحين إحدى أغانيه. وقدم أيضًا العديد من المسرحيات وشارك في الأفلام التليفزيونية.لم يكتفِ “شكوكو” بتقديم هذا الفن على المسرح، وإنما استأجر سيارة نقل كبيرة حوّلها إلى مسرح صغير، وأخذ يطوف بها، مُقدِّمًا عروضه في القرى والأرياف ومحافظات مصر، نظرًا لإدراكه أهمية هذا الفن في تنمية خيال الطفل من خلال القصة والأغنية والصورة والملابس الزاهية.

تاريخ فن الأراجوز في مصر

شهد اجتماع اليونسكو المنعقد في مورشيوس بتاريخ 28 نوفمبر 2018، اعتماد ملف الأراجوز في قائمة الصون العاجل للتراث الثقافي غير المادي. وسبق أن تم في الإطار نفسه تسجيل السيرة الهلالية والتحطيب، باعتبارهما من التراث المصري غير المادي. ومثَّل مصر في هذا الاجتماع الدكتورة نهلة إمام، والدكتور أحمد مرسي، وتم تقديم الملف بواسطة “الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية”، وأعد صيغته الدكتور نبيل بهجت.

جهود الدكتور نبيل بهجت للاعتراف بفن الأراجوز.

وللدكتور نبيل بهجت رئيس قسم المسرح في كلية الآداب،  والذي شغل من قبل منصب الملحق الثقافي المصري في الكويت، له جهود مترامية للاعتراف عربيًا ودوليًا بالأراجوز، وضرورة صونه باعتباره فنًا مسرحيًا ذا سمات خاصة، منذ نحو 18 سنة. حيث ارتبط بالأراجوز وأحبه منذ الطفولة، وقد حفِظت ذاكرته أول عرض رآه لرجل عجوز بجلباب أبيض في شارع سعد زعلول بمدينته الصغيرة “أبو كبير” في شمال مصر، وهو ابن الرابعة. من تلك الساعة أدرك أن هذا هو المسرح المصري، فعاش عمره يدافع عنه لأجل هذا الرجل الذي أبهجه عر

قام الدكتور نبيل بهجت بجهود عديدة.. منها:

  • تأسيس فرقة “ومضة”، وشعارها “لدينا ما يستطيعُ أن يُعَبِّرَ عنا”، بعد أنْ لاحظ أنَّ كل شيء يتغير، فمصر “تخرج من نفسها” كما وصفها في ذلك الوقت. وأضاف للفرقة العديد من فناني الأراجوز في مصر.
  • صناعة أول أرشيف للأراجوز، إذ لم تُسَجَّلْ عروضُه أو تُحفظ في كتاب، وأخذ على عاتقه هذه المهمة، حيث سجَّل عروضه وكتب كتاب “الأراجوز المصري”، الذي حرص على نشره في المجلس الأعلى المصري للثقافة، باللغتين العربية والإنجليزية، ومعه 19 فيلمًا وثائقيًا لتسجل فقرات الأراجوز حية.
  • استطاع إقناع وزير الثقافة السابق فاروق حسني بتخصيص أجر شهري لعدد من اللاعبين.
  • تخصيص بيت السحيمي في القاهرة لعروض الأراجوز وخيال الظل، وبدأ سلسلة العروض كل يوم جمعة.
  • كان يرفض منطق الإنتاج السائد، أن تتحمل ميزانية الدولة التكلفة الإنتاجية للعروض، كذلك رفض منطق التمويلات، لذا حرص أن ينتجَ كلَّ العروض من ماله الخاص، ومن ثم تسويقها لدى وزارة الثقافة والجهات المختلفة عالميًا ومحليًا. وقد كانت موافقة الوزير فاروق حسني على تخصيص رواتب شهرية لحملة هذا الفن، هي انتزاع باعتراف محلي لفنون الأراجوز.

أشهر لاعب أراجوز في مصر

واليوم يعتبر مصطفى عثمان المعروف فنيًا باسم “صابر المصري”، أكبر وأشهر لاعب أراجوز في مصر، وهو أحد تلاميذ الفنان القدير محمود شكوكو. يعمل الآن بفرقة “ومضة” التي حافظت على هذا الفن من الاندثار، بتدريب الشباب داخل وخارج مصر على كيفية التعامل مع تلك الدُمية.

بدأ العم صابر الذي عشق الأراجوز، هذا الفن في شبابه، عندما اختلف أحد اللاعبين مع مدير المسرح وترك العمل، فطلب منه المدير تقديم العرض ونجح، ومنذ ذلك الوقت وهو يمارس مهنته كفنان أراجوز، يقدم فقرة فنية خاصة به في المسارح والموالد، ويحاول إسعاد الأطفال وتعريفهم بالتقاليد والصحيح من الخطأ، حتى أصبح معروفًا لجمهور كبير من الأطفال.

عرائس الأراجوز وادوات العم صابر

ومن أدوات العم صابر التي يستخدمها في أداء شخصية الأراجوز “الأمانة”، وهي الأداة التي يستخدمها لاعب الأراجوز أعلى فمه لتصدر صوت الأراجوز المميز، وهي عبارة عن أداة صغيرة مصنوعة من قطعتين معدنيتين، في داخلهما تجويف صغير به وتر، وعندما ينفخ فيها تحدث تغييرًا في صوت مستعملها، وهي من أسرار فن الأراجوز التي تعطيه الصوت المميز، كانت تُصنَع قديمًا من معدن قابل للصدأ، فكانت تمثل مشكلة لمن يستعملها، أما الآن فتصنع من الإستانلس، وهي أكثر أمانًا.

وقد كُرِّم العم صابر كشيخ لاعبي فن الأراجوز في مصر.. كل هذا يجعلنا نرفض أن يقال لقب أراجوز كسُبَّة، لكنها كلمة تستحق التقدير، لما قدمه الأراجوز على مر السنين من بهجة وفرحة وتعليم وتعديل للسلوك، ونقد لكل ما هو غير مفيد في مجتمعنا. فقد استطاع الأراجوز المصري قديمًا وعلى مر السنوات، أن يتقن فن اللعب بالرمز، عبر تطرقه إلى السلطات الكبرى “الدينية والسياسية والاجتماعية”، فاضحًا وكاشفًا الفساد المتفشي في المجتمع.فتلك العروسة المصرية الأصيلة تستحق الكثير.. وشكرًا لكل من يبذل جهدًا للحفاظ على تراثنا الجميل.

مصادر:

alhayat

alquds

egyptian geographic

shbabbek

المقالة السابقةنعم.. أحب نفسي
المقالة القادمة10 هدايا ممكن تشتريها للراجل في آخر لحظة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا