رئيس الوزراء

587

زادت مؤخرًا أسباب الألم حولنا، فكيف لنا أن نتعايش مع مختلف أنواع المشاعر المؤلمة في ظل مجتمع يجهل الكثيرعن التعاطف والمواجدة، فنراه يؤلم المتألم بدلاً من مساندته، وكأنه يضع خلاً على جرح ينزف! فهل نحتاج لوزارة للمساندة والمواجدة؟

 

إذا بحثنا عبر الإنترنت عن معنى كلمة وزارة نجده “ذراع حكومية مسؤولة ومختصة بتسيير أحد القطاعات وإدارته، والكلمة هي من الأصل وزر، أي المساعدة والمساندة”، وأما كلمة المواجدة السليمة فمعناها “دقة شخص ما في استنتاج أفكار شخص آخر ومشاعره”، بالتالي وزارة المواجدة تعني المساعدة عن طريق الفهم الحقيقي للمشاعر، فما أحوجنا لهذا النوع من المساعدة عندما نواجه مشاعر الحزن أو الفقد أو الترك أو الخيانة أو الاحتياج أو غيرها من المشاعر التي تشلنا وتضعف قدرتنا على مواجهة الحياة أو على حتى على الاستمرار أحياء!

 

هذه الوزارة الأفلاطونية تحتاج لوزير متألم، يقدر أن يعين المتألمين، ونخبة من العاملين الذين تخرجوا من مدرسة الألم وتخطوا آلامهم، فهؤلاء هم الأقدر على المساعدة، وسيكون لها مكاتب في كل أنحاء الجمهورية، حيث يستطيع أن يلجأ إليها كل من هو في احتياج للمساندة أو من يتعامل مع المتألم، وكل الخدمات ستقدم بالمجان. ستتشكل هذه المؤسسة من أربعة أقسام:

 

قسم المواجدة هدفه هو المتألم، ودوره هو توفير متخصصين في الإصغاء الصحي الخالي من أي حكم أو إدانة أو حتى نصيحة، سواء بالكلام أو تعبيرات الوجه أو الجسد، فقط أشخاص قادرون على توفير المناخ المناسب للتعبير.

 

قسم التوعية هدفه هو المحيطين بالمتألم ودوره هو التوعية عن كيفية قبول مختلف طرق الحزن مهما كانت مزعجة للآخر، ما دامت غير مؤذية، فالهدف الأول والأهم من وجودي مع المتألم ليس راحتي أنا لكن راحته هو. فمهما كان البكاء الشديد يزعجني فهذا لا يعني أن أحاول تهدئة الباكي، لكني بالعكس أوجد بجانبه حتى يخرج كل ألمه بالصورة المريحة له.

 

قسم السوشيال ميديا هدفه هو الأفكار، ودوره هو تفتيح الأذهان ومحاربة القوالب المتوارثة المؤذية، كتأليه فعل ما أو الذم في فعل آخر. فمثلاً الأم التي فقدت طفلها في حادث مأسوي لها كل الحق في الانهيار لحظة رؤيتها ابنها في صندوق، وأيضًا من حقها أن تختار الثبات والهدوء والابتسام، فليست في أي من الحالتين أكثر أو أقل روحانية من الحالة الأخرى، هي مجرد إنسان موجوع يعبر عن ألمه على طريقته الخاصة. والأهم هو أن الله لا يُجرِّم الحزن، لكنه هو خالق المشاعر والدموع لتساعدنا على التعبير عن حزننا.

 

قسم الُمضيّ قدما في الحياة هدفه كل الناس، ودوره هو العلم بكيفية متابعة الحياة أثناء وبعد الحدث المؤلم، فالجميع ما زال من حقه أن يأكل ويفرح ويلبس ويحتفل بالإنجاز. فحتى وإن عانينا الفقد، لكن ما دمنا أحياء نستحق الاحتفال بالحياة، وأحباؤنا الذين رحلوا يتمنون لنا الفرح، وهذا لا يعني نسيانهم، ولكنه يعني أننا ما زال لنا دور علينا إنجازه في الحياة.

 

هذه الفكرة أفلاطونية جدًا لكنها تعبر عن احتياجنا الشديد للصمت والإصغاء في وقت التعامل مع الألم أكثر منه للكلام أو النصح، فحتى لو لم توجد أبدًا وزارة للمواجدة لكن ممكن جدًا أن يوجد لها سفراء.

المقالة السابقةالتكيُّف مع الحزن والخسارة
المقالة القادمةكانت أرقامنا قياسية يا شلبي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا