الحكي كوسيلة للتعافي: كيف ننجو عن طريق الحكي؟

683

بقلم/ هديل إسلام

 

تُعد شخصية شهرزاد واحدة من أقوى الشخصيات النسائية في الأدب الشرقي، وهي الشخصية التي اتخذت من الحكي وسيلة لتنجو من المصير الذي لاقينه الأخريات من ضحايا شهريار. في كل ليلة كانت تحكي شهرزاد حكاية دون أن تنهيها لأنها تعلم أن فضول شهريار سيمنعه من أن يوقع عليها عقوبة الإعدام التي يوقعها على كل امرأة يتزوج بها.

 

وفي عصر ومكان مختلفين تمامًا، قررت ياسمين مدكور (28 سنة) الاعتماد على الحكي كوسيلة لتجاوز ما عاشته من علاقات قائمة على العنف والأذى، مع تعميم التجربة مع نساء أخريات ممن عشن تجارب مشابهة. إليكن تفاصيل القصة فيما يلي..

 

كيف كانت البداية؟

في أبريل 2016، أطلقت ياسمين مدكور مبادرة “قوة الحكاية – قصة كل يوم” لدعم الناجيات من العنف. ومنذ ذلك التاريخ نجحت ياسمين في تيسير 7 ورش للدعم النفسي تعتمد على الحكي في الأساس، إلى جانب عدد من الممارسات الأخرى، كتمارين اليقظة والتأمل. وتعتمد ياسمين أيضًا في هذه الورش على رفع الوعي بطبيعة الأذى وبأنماط العنف المختلفة، كالعنف الجسدي والنفسي والجنسي والعاطفي، وأنماط العلاقات المؤذية والمدمرة، إذ تؤكد ياسمين أن هناك الكثيرات ممن يتعرضن للأذى والعنف وهن لا يدركن ذلك.

 

لماذا كان الحكي هو الطريق للتعافي؟

تقول ياسمين مدكور إن الشخص المُعنّف أو الطرف الذي يقع عليه الأذى الضحية دائمًا ما يميل إلى الصمت والعزلة، وذلك لأن البيئات المؤذية عادة ما تُسكِت الضحية، وذلك حتى تكتمل دائرة العنف، موضحةَ أن “الأذى عادة ما يصحبه السرية والكتمان من ناحية، والشعور بالعار من ناحية أخرى. لكن الحكي يكسر هذه السرية، وكذلك يكسر الشعور بالعار، أي شعور الطرف الضحية من الأذى بأنها تستحق مثل هذه المعاملة”.

 

وهناك جانب آخر للحكي تشير إليه ياسمين، وهو المشاركة، أي الشعور بأنني لا أمر بهذا الأمر بمفردي، فهناك الكثير من التجارب التي تشبه تجربتي، بل إن ورش الحكي أحيانًا ما تكون فرصة لكل من تشعر باليأس، لأنها ترى الأمل في تجارب الأخريات ممن مررن بنفس التجربة، واستطعن تجاوزها والمُضِي قُدُمًا. الحكي يكون حينها فرصة لترى كل مشاركة بنفسها باب الخروج من خلال تجارب المشاركات الأخريات الناجيات من تجارب مشابهة.

 

الحكي هو الوسيلة الأبسط والأكثر سلاسة

ترى ياسمين مدكور أن الحكي هو الوسيلة الأكثر سلاسة للتعبير عن الذات، خصوصًا لدى السيدات ممن لا تتاح أمامهن الكثير من الخيارات للتعبير عن ذواتهن. الحكي وسيلة بسيطة وإننا نمارسها بالفعل طوال الوقت، لكن أكثر ما يحتاجه الناجيات من العنف هو مساحة آمنة للتعبير عن أنفسهن بعيدًا عن الأحكام والأذى الذي يُمارَس ضدهن طوال الوقت في البيئات الأخرى، بما في ذلك الشارع.

 

كيف تغيرت حياتهن عن طريق الحكي؟

منذ عام 2016، ساعدت ياسمين -من خلال ورش الحكي- أكثر من مائة شخص وأغلبهم من السيدات والبنات على تجاوز ما مررن به من علاقات عنيفة ومدمرة، وحتى أن كثير منهن يشير إلى أن تجربة الحكي قد غيرت حياتهن حرفيًا.

 

“أماني” التي تربت في بيئة كانت اللغة الأساسية فيها هي العنف، تقول إن الحكي لم يكن خيارًا متاحًا أمامها أبدًا طوال حياتها. لطالما كانت تخشى مما قد تواجهه من ردود أفعال. وحتى عند المشاركة في الورشة لم يكن الحكي خيارًا سهلًا لها، ولكنها مع الوقت شعرت بالأمان ضمن المجموعات التي حضرت معها، وتدريجيًا وجدت أن في استطاعتها الحكي، بل وأصبح الحكي أكثر ما يخفف عنها.

 

وكذلك كان لـ”منى” تجربة مشابهة مع الحكي. قبل المشاركة في ورش الحكي، تقول “منى” إنه لم يكن أمامها أي خيار سوى المكوث في السرير والبكاء. كانت “منى” للتو قد أنهت تجربة زواج قائمة على العنف والأذى. وعن الحكي، تقول “منى”: “كنت أشعر بالألم في جسمي مجددًا كلما تحدثت عن الضرب والأذى الذي تعرضت له، لكن مع الوقت ذلك الشعور اختلف، كلما حكيت عن تجربتي وشاركتها، أشعر وكأن الثقل الذي أحمله على كتفي يخف ويختفي”.

 

وتقول “ميرنا” إن الحكي كان لها كالدواء، بعد أن كانت تتعرض للعنف على مدار سنين عمرها. كانت “ميرنا” في البداية تخشى الحكي، قائلة إنها تجربة أشبه بالتعري. لكن في الواقع كلما حكت، فإن ذلك الخوف القابع بداخلها ينكسر، واستطاعت بعد ذلك أن تتخذ خطوات جادة في علاجها النفسي لتتجاوز ما مرت به من عنف منزلي، لكن يظل الحكي هو خطوتها الأولى في ذلك الطريق.

 

لطالما كان الحكي الوسيلة التي نستخدمها نحن البشر منذ آلاف السنين، في التواصل ونقل المعرفة والتعبير عن ذواتنا بصفة عامة، إلا أن هناك العشرات من الفتيات والنساء ممن وجدن في الحكي وسيلة للتعافي وإنهاء دائرة العنف، من خلال الخروج عن الصمت الطويل، حيث سجنتهن علاقاتهن المؤذية، خصوصًا مع وجود مساحة آمنة خالية من الأحكام والنصح والتهكم، وكل ما قد يتسبب في مزيد من الأذى.

المقالة السابقة10 أمهات مُلهمات من السينما العالمية
المقالة القادمةأشهر 10 مخاوف عند الأطفال وكيفية التعامل معها
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا