مع كثرة الحديث المجتمعي عن التنمر، وآثاره السلبية المدمرة على الفرد والمجتمع، بدا أنه مصطلح حديث نسبيًا، على الرغم من الاعتراف علميًا منذ 25 عامًا، على يد “دان ألويس” الأب المؤسس للأبحاث حول التنمر في المدارس وبيئة العمل، ومع ذلك لم ينتشر بين العامة إلا مؤخرًا بفضل وسائل الإعلام العالمية ومؤسسة اليونسيف.
ولكن هل هذا صحيح على مستوى السينما؟ هل لم تثَر قضايا التنمر فيها من قبل؟ لا يبدو الأمر كذلك، ففي السينما العالمية كان التنمر موضوعًا خصبًا للكثير من الأفلام، أما على مستوى السينما العربية فتُعد أفلام الفنان أحمد حلمي هي أكثر وأهم أفلام عربية تحدثت عن التنمر، حيث قدمت رسائل غير مباشرة في كيفية مواجهته والتغلب عليه.
وإليك عزيزي القارئ أهم تلك الأفلام والطرق التي قدمتها لمقاومة التنمر.
سهر الليالي.. لا تخضع لإغراء تبادل الإساءة
ظهر أحمد حلمي بدور “عمرو” الذي يتعرض للتنمر من زوجته “فرح” وعائلتها على مستواه الاجتماعي والمالي، ولكن “عمرو” لم يواجه الأمر برد الإساءة على الرغم من قدرته على ذلك بسهولة، بل اعتمد أساليب أخرى. فآخر شيء عليك التفكير به هو أن تهبط لمستوى الشخص المتنمر، لأن ذلك يجعلك في نفس الخانة بجواره، ولا يحميك قدر ما يمنحه المزيد من القوة والقدرة على التأثير عليك وعلى طبيعتك والتقليل من قدرك، وهذا لا يعني عدم مواجهة الأمر بكل الطرق الأخرى الممكنة.
تعرفي على: فيلم “شوكة وسكينة”: هو إحنا بنتجوز ليه؟
زكي شان.. لا تجارِ سخرية المتنمر
في الفيلم يظهر البطل “زكي” حارس شخصي لـ”شيرين”، بعد أن رأى والدها أنها تحتاج إلى الحماية بسبب كثرة أخطائها، ولكن “شيرين” تبدأ في التنمر على “زكي” في محاولة لدفعه لترك الوظيفة، وأكثر شكل استخدمته “شيرين” كان السخرية، وواجهت شخصية “زكي” هذا التنمر بأنه لم يتأثر بمحاولتها ولم يسخر من نفسه من أجل إثبات أنه غير مهتم بما يقال عنه. فذلك من شأنه أن يجعل المتنمر أكثر تحفزًا لمواصلة الإهانة والسخرية من أجل إضعاف احترام الشخص لنفسه، لذا لا تجعل نفسك مستهدفًا، ولا تهبط لمستواه وتشارك في التقليل من قدرك، بل الأفضل أن تُظهِر اعتزازك بنفسك.
جعلتني مجرمًا.. تيقن من قوتك الداخلية
يدور الفيلم حول “ملك” التي ترغب في الاستثمار في البورصة، وتستعين بـ”رشدي” وتطلب منه أن يدعي اختطافها للحصول على الأموال من والدها، بحجة أنها مشلولة وتحتاج إلى الأموال لإجراء عملية، ويتعرض “رشدي” للتنمر من “ملك” وصديقتها بسبب فقره وسذاجته، وهي أحد أساليب المتنمر في إضعاف شخصية من أمامه، ولكن “رشدي” واجه هذا التنمر بأنه لم يعطِ لها الفرصة، بل كان هناك تيقن من قوة شخصيته ونجاحه، ولم يظهر لها أي تأثير أو اهتمام لكلامها، وهذا أكثر ما يحبط المتنمر، أي أظهار ضعفه الحقيقي أمام نفسه وعدم قدرته على التأثير على من أمامه، فاليقين بقوة شخصيتك هو ما سيمنحك القوة دائمًا للتصدي لأي محاولات لإيذائك.
مطب صناعي.. لا تُظهِر للشخص المعتدي أنه نجح في التأثير عليك
ظهر أحمد حلمي بدور “ميمي” الشاب الذي يغادر الإسماعيلية إلى القاهرة بحثًا عن عمل مناسب لطموحه، ولكنه بعد أن يبدأ العمل لدى رجل الأعمال “فاروق” يتعرض للتنمر من قِبل ابن أخيه “حسام”، الذي يسخر منه، ثم يتعمد إيذائه مرة بعد مرة. في الفيلم يعتمد “ميمي” على إظهار عدم الاهتمام بما يفعله “حسام”، فالمتنمرون يحصلون على مكسبهم الشخصي من خلال جرح مشاعر الآخرين وإصابتهم بالحرج والضيق، لذلك فإن التجاوب معهم سوف يشجعهم أكثر على فعل المزيد. والمتنمر يرغب في جذب الانتباه، ووضوح مدى جرح مشاعرك، سوف يجعله مستمتعًا أكثر بما يفعل.
كده رضا.. اطلب المساعدة
تحكي قصة الفيلم ثلاث توائم هم “بيبو” و”سمسم” و”البرنس” ،يعيشون بهوية وبطاقة شخصية واحدة بسبب بخل والدهم، ويعاني “سمسم” من تنمر أشقائه ضده بسبب طيبته الزائدة وهدوئه، فيلجأ إلى طبيب نفسي. فطلب المساعدة من متخصص سواء كان مديرًا في بيئة العمل، شرطيًا، مدرسًا في المدرسة، طبيبًا نفسيًا أو شخصًا تثق به تتحدث إليه يتسم بالصدق والأمانة والموضوعية لإيجاد حل لمواجهة التنمر، لا يُعد ذلك جبنًا أو ضعفًا.
إكس لارج.. كن أكثر ذكاءً ومكرًا من المتنمر
في الفيلم يتعرض “مجدي” رسام الكاريكاتير للتنمر دومًا ممن حوله، بسبب بدانته، ولكنه ينجح في التغلب على الأمر، بل ويكوِّن صداقات عديدة بسبب ردوده الذكية على المتنمرين، فالمتنمر ليس شخصًا فائق الذكاء، وهو ما يجب عليك استغلاله لصالحك من خلال الرد على الإهانة بهجوم لفظي ذكي، وهو ما سيسبب السخرية من المتنمر.
صنع في مصر.. تجنب التعرض لهم
“علاء” شاب يملك محلاً للعب الأطفال، ولكنه لا يعرف ما هو هدفه في الحياة أو الوصول لتحقيقه، ويتعرض للتنمر دومًا ممن حوله بسبب هذا الأمر، خصوصًا من عائلته، فهو في نظرهم فاشل ولن ينجح، وكان الأسلوب الذي اعتمد عليه “علاء” لمواجهة هذا التنمر هو تجنب التعرض لهم، وتجنب الدخول في نقاش مهم حول الأمر. فعلى الشخص تجنب التعامل مع المتنمرين في المواقف الاجتماعية التي تزداد احتمالية وجودهم بها، وهذا ليس هروبًا أو جبنًا، فتجنب التعرض لهم يمكن أن يكون له أشكال مختلفة، منها تجاهلهم أو رفض الرد عليهم أو حتى اعتبارهم غير موجودين بالمكان، وهذا سيقلل من فرصهم في إيذائك، وعليك أن تجعل عملية التفادي تلقائية وهادئة.
لف ودوران.. اقلب الطاولة على خصمك
يتعرض “نور” مرشد سياحي دومًا للتنمر من عائلته، لأسباب متعلقة برغبتهم في السيطرة على حياته، فيلجأ إلى مواجهة هذا التنمر بردود فعل غير نمطية وغير متوقعة، ويخوض طرقًا ملتوية لإرباكهم، فعندما كان يتعرض للسخرية بسبب رغبته في السفر وترك عائلته أو رغبته في الزواج من فتاة لا يرون أنها مناسبة له، كان يواجه هذا التنمر بقلب الطاولة عليهم من خلال تغيير دفة الحديث لشيء آخر، أو أن يوجه الحوار فيصبح هو المتحكم فيه. فمواجهة التنمر بتلك الطريقة تخلق حالة من عدم الاتزان والمفاجأة للطرف الآخر، ما يمهد الخروج من الموقف المحرج.
في النهاية.. قدمت أفلام الفنان أحمد حلمي نموذجًا للسينما التي يمكن وصفها بالسهل الممتنع، فهي تمزج الواقع بالخيال، وقادرة على إشباع نهم المشاهد لسينما مميزة وجذابة، كما تقدم رسائل غير مباشرة عن مشكلات نفسية واجتماعية دومًا مسكوت عنها في المجتمع وكيفية مواجهتها، ويعتبر التنمر هو أهم تلك الرسائل التي قُدِّمت، وقد ظهر اهتمام أحمد حلمي بها ليس فقط عبر أفلامه، بل أيضًا في الواقع من خلال مشاركته في حملة اليونسيف الأخيرة التي تدعو لمقاومة التنمر، والتي حكى من خلالها تعرضه للتنمر في الحقيقة خلال دراسته، وكيف تغلب عليه، وأنه عمد بشكل غير مباشر إظهار ذلك في أفلامه. فالتنمر إرهاب نفسي، وأحيانًا جسدي، نتائجه النفسية قد يكون من الصعب علاجها إذا لم تُواجه مبكرًا.
لذا إذا أردت تعلم الإستراتيجيات لمواجهة التنمر.. فقط شاهد أفلام “أحمد حلمي” وذاكرها جيدًا.