هل تسبب مواقع التواصل الاجتماعي التروما

1374

من المتعارف عليه أن من يتعرض لموقف شخصي صادم، أو كان وسط أحداث كارثية بنفسه، يكون معرضًا للإصابة بكرب ما بعد الصدمة بشكل كبير، ولكن هل من الممكن مجرد مشاهدة صور ومقاطع فيديو مرتبطة بأحداث عنيفة تسبب التروما؟ بشكل آخر: هل تسبب مواقع التواصل الاجتماعي التروما دون التعرض للحادث بشكل مباشر؟

لعنة تريندات مواقع التواصل الاجتماعي

فيما مضى كان من الممكن ببساطة الانفصال عن الأحداث بغلق التليفزيون، أما الآن فإن الابتعاد عن الأخبار المؤذية يكاد يكون مستحيلاً، وفجأة وفي غضون دقائق قد يسبب حادث إطلاق نار عشوائي في الولايات المتحدة، تروما لشخص يجلس في مصر

رغم أنها تحمل اسم “التواصل الاجتماعي”، فإن شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة وعلى رأسها فيسبوك وتويتر قد تكون سببًا في إصابة البعض بالتروما. فإن كان نقل الأحداث فيما مضى يخضع لبعض الضوابط والأسس المهنية والأخلاقية، بوجود هذه المواقع انهارت هذه الأسس بالكامل، وأصبحت المنافسة حول من يستطيع أن يقدّم محتوى صادمًا أكثر من الآخرين، وتحوّلت المصائب الضخمة إلى تريندات تحاول كل جهة أن تلتقط وجهة أكثر مأساوية من مثيلاتها، حتى لم يعد للموت حرمة، وكلما كثرت الشراسة والدماء كان هذا أفضل للتريند اللعين.

ليس هذا فحسب، بل إن التعرض بشكل متواصل لهذا المحتوى هو أمر لم يكن موجودًا في السابق، فحتى إن كانت قنوات التليفزيون فيما مضى تخصص يومًا بأكمله من أجل تغطية حية لكارثة ما، كان من الممكن بكل بساطة الانفصال عن هذه الأحداث بغلق التليفزيون، أما في الوقت الحالي فإن الابتعاد عن هذه الأخبار المؤذية على مواقع السوشيال ميديا يكاد يكون مستحيلاً، وفجأة وفي غضون دقائق قد يسبب حادث إطلاق نار عشوائي في الولايات المتحدة، تروما لشخص يجلس في مصر كل ذنبه أنه كان يتصفح موقعه “الاجتماعي” المفضّل.

وبحسب دراسة أجراها دكتور بام رامسدن الأستاذ في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة برادفورد، أن نحو 25% من الذين يشاهدون الأحداث كصور ومقاطع فيديو فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، يصابون بأمراض نفسية جرّاء هذه المشاهدات، قد تصل في حدتها إلى كرب ما بعد الصدمة.

يشرح موقع لوس أنجلوس تايمز أن نسبة الإصابة بالتروما في فترة ما بعد الكوارث تزيد عند الأشخاص الذين لم يتفاعلوا مع الكارثة بشكل شخصي، لأن من سمع بالكارثة يريد معرفة المزيد عنها، فيلجأ للصفحات التي تقدم تغطية مباشرة وأحيانًا تكون صادمة، وقد يكون الأمر جيدًا في البداية كنوع من أنواع المعرفة ومواكبة الأحداث الهامة، ولكن كثرة مشاهدة التغطية العنيفة هي ما تحوّل الأمر تدريجيًا إلى حالة من حالات كرب ما بعد الصدمة.

اقرأ أيضًا: تجربتي مع الطبيب النفسي: هل تغيرت حياتي للأفضل؟

الإصابة بالتروما بعد مشاهدة أفلام عنيفة

هل يمكن الإصابة بالتروما جرّاء مشاهدة أفلام عنيفة؟ في الواقع الدراسات تفيد بعدم إمكانية حدوث هذا الأمر، إلا في حالة أن يكون المشاهد قد مر بهذه الأحداث من قبل وأصيب بالتروما وتعافى منها، فإعادة مشاهدة أحداث متشابهة ولو من بعيد قد تسبب انتكاسة قوية، لذا يفضّل ممن تعرض لكرب ما بعد الصدمة في حياته أن يعرف خطوط الفيلم العريضة قبل مشاهدته.

ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الأطفال، فالأطفال أحيانًا ما يختلط لديهم الحقيقة بالخيال، ويعتقدون أن ما يشاهدونه بالفيلم حقيقي حتى وإن أُخبِروا بعكس ذلك، وعندما يضاف هذا إلى خيال الأطفال الخصب، فإن النتيجة النهائية قد تكون تروما طويلة الأمد، ورغم عدم وجود أبحاث تؤكد هذه النظرية بشكل قاطع، فإن موقع فيكتوريا أدفوكات يقترح أن الخوف المنتشر من هيئة المهرجين ربما يكون بسبب فيلم الرعب “It” والذي كان بطله الشرير على هيئة مهرج.

اقرأ أيضًا: عن أعراض كرب ما بعد الصدمة: هل نحن كما نبدو عليه حقًا؟

مؤشرات الإصابة بالتروما

هناك بعض العلامات التي قد تشير إلى إصابة الشخص بالتروما، وهي تختلف بين جسدية ونفسية وسلوكية. قد تتراوح المؤشرات الجسدية بين الأرق والصداع والإرهاق وعدم انتظام ضربات القلب، والاضطرابات السلوكية قد تتمثل في الانطواء وتجنب المناسبات الاجتماعية واضطرابات الأكل، بالإضافة إلى صعوبات في الأداء الجنسي، أما الإشارات النفسية فقد تكون زيادة معدّل القلق وفقدان الأمل والإحباط.

ليس من الضروري انطباق كل الأعراض المذكورة عند المصاب بالتروما، بل ومن الممكن إصابته بأعراض أخرى تمامًا، ونفس الأمر ينطبق على الأطفال، ولكن الأمر المؤكد أن المصاب بكرب ما بعد الصدمة لا يكون بنفس حالته الأولى قبل إصابته.

اقرأ أيضًا: ما هي أعراض كرب ما بعد الصدمة؟

حلول مبدئية للتغلب على التروما

جزء من التروما يكون بسبب عدم قدرتك على التحكم في الأمور، وعند التطوع في أعمال خيرية متعلقة بالكارثة فإنك تسترجع ولو القليل من إحساسك بقدرتك على التحكم مجددًا

– التوقف عن متابعة الأخبار السيئة كحل مبدئي. ينصح موقع سيكولوجي توداي بضرورة التوقف الفوري عن متابعة الأخبار السيئة. بإغلاق التليفزيون والتوقف عن متابعة كل الصفحات والأشخاص الذين ينشرون عن الخبر. فهناك فارق ضخم بين نشر الخبر للعلم والمعرفة، والإغراق في نشر الأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي تتناول الخبر بطريقة عنيفة أو قاسية.

– من أهم النصائح التي يطرحها الموقع، ضرورة التطوع في بعض الأعمال الخيرية المتعلقة بشكل أو بآخر بالكارثة التي تسببت لك في الصدمة، وإن كانت قد وقعت في مكان بعيد عنك أو لا يقع في مدينتك، يمكنك التطوع في أقرب مكان يحتاج إلى مساعدتك، فبحسب الموقع جزء من التروما يكون بسبب عدم قدرتك على التحكم في الأمور، وعند التطوع فإنك تسترجع ولو القليل من إحساسك بقدرتك على التحكم مجددًا.

– تفريغ المشاعر بأي طريقة أمر مهم للغاية من أجل استعادة التوازن النفسي، سواء كان هذا عن طريق التحدث إلى شخص مقرب موثوق به، أو عن طريق التعبير بالكتابة أو بالفن كالرسم والنحت والتمثيل. نفس الأمر ينطبق على الأطفال، ففي حين أن الكلمات قد تخون الأطفال أو لا يستطيعون التحكم بها، فإن الحل المثالي في هذا الموقف هو ترك الطفل لحرية التعبير بالفن كالرسم أو تمثيل مسرحية بالعرائس وتركه يقود أحداث الدراما بنفسه.

يظل دائمًا باب اللجوء للطبيب النفسي خيارًا مطروحًا وبقوة، إن كان بعد تجربة الطرق السابقة أو بدون تجربتها على الإطلاق، الذهاب للطبيب النفسي الجيد لن يضر، بينما عدم الذهاب مطلقًا في وقت الأزمة النفسية قد يكون سببًا في المزيد من التعقيد.

المقالة السابقةصدمة ما بعد الحرب: قصص عائلات في متناول الكرب
المقالة القادمةحكاية نغم