الابتزاز العاطفي كشكل من أشكال العنف العاطفي، الذي يسعى خلاله الآخر لإجبارنا على الانصياع لرغبته، أو البقاء تحت سيطرته بالتهديد الصريح تارة، أو بالاستمالات العاطفية تارة أخرى.
“إذا كنت قد أحببتني حقًا، وتُقدّر كل ما فعلته لأجلك.. فلماذا تتصرف بهذه الأنانية؟!”. حينما يستخدم من حولك الخوف، والإلزام، والشعور بالذنب، للتلاعب بك”
تُلّخص عالمة النفس الأمريكية سوزان فورورد -من خلال الجملة السابقة- التكنيك الذي يستخدمه المُبتزين دائمًا وأبدًا، وهو إشعار الآخر بأنه سيئ، وليس مُرضي لطموحاتهم ولا ما يتوسمونه فيه، لذلك يجب إشعاره بالذنب، وتهديده إذا لزم الأمر لكي يكون على قدر تصوراتهم ويُنفذ لهم ما يُريدون أو حتى ما يتوقعونه منه بالضبط.
معنى الابتزاز العاطفي؟
الابتزاز العاطفي هو نوع من أنواع العنف العاطفي الذي يُمارس علينا لتحقيق هدف الطرف الآخر منّا. تسرد فورورد تعريفها للابتزاز العاطفي قائلة: “هو أحد الأشكال الفعّالة للتلاعب، والذي يُهددنا فيه الأشخاص المُقربون منّا، سواء بطريقة مُباشرة أو غير مُباشرة، أنهم سيُعاقبوننا إذا لم نفعل ما يريدونه، وفي قلب أي نوع من أنواع الابتزاز، تهديد أساسي واحد، يمكن التعبير عنه بعدّة طرق مُختلفة، ألا وهو: إذا لم تتصرف بالطريقة التي أريد منك أن تتصرف بها فسُتعاني.
قد يُهدد المُبتز باستخدام معلومات عن ماضي الشخص بهدف تشويه سمعته، أو يطلب أموالاً نظير عدم إفشائه سرًا. أما الابتزاز العاطفي فله تأثير شخصي وحميمي أكثر، فالمبتزون عاطفيًا يعرفون مدى تقديرنا لعلاقتنا بهم، ويعرفون نقاط ضعفنا، ويعرفون في كثير من الأحيان أعمق أسرارنا، وبغض النظر عن مقدار اهتمامهم بنا، فعندما يشعرون بأنهم لن يحصلوا على ما يريدون، فإنهم يستخدمون معرفتهم الحميمة بنّا لتشكيل التهديدات التي تُعطيهم النتيجة التي يريدونها، ألا وهي امتثالنا لرغباتهم”.
تُفسر فورورد، السبب الذي يجعل الابتزاز شكلاً شديد الوضوح من أشكال العنف العاطفي قائلة: “لأن الأشخاص المُبتزين يعرفون أننا نحتاج إلى الحب أو القبول، فإنهم يُهددون بأن يمنعوا ذلك أو يسلبوه بالكامل، أو يجعلونا نشعر أننا يجب أن نسعى للحصول عليه، فمثلاً: إذا كنت تعتز بكونك كريمًا ومهتمًا بالآخرين، فرُبما يصفك المُبتز أنك أناني أو غير مراعٍ للآخرين إذا لم تستجب لرغباته، وإذا كُنت محتاجًا إلى المال أو الأمن فرُبما يفرض المُبتز شروطًا لتوفيرهما أو يُهدد بسلبهما، وإذا صدقت المُبتز، فقد تقع في شِرك السماح له بالتحكم في قراراتك وسلوكك”.
تعرفي أيضًا على: العنف في العلاقات العاطفية: صور من العنف النفسي
أنواع الابتزاز العاطفي
تُخبرنا فورورد عبر كتابها أن هناك أربعة أنواع من الابتزاز العاطفي، وهي:
1. الابتزاز باستخدام العقاب
من خلال هذه الطريقة يُخبرنا المُبتزون بما يريدونه بالتحديد، والعواقب التي ستواجهنا إذا لم نُذعن لهم، وهذا النوع من الابتزاز هو الأكثر وضوحًا، المُبتزون الذين يستخدمون هذه الطريقة قد يُعبرون عن أنفسهم بشكل عدواني، أو يستشيطون غضبًا في صمت، لكن في كلتا الحالتين فإن الغضب الذي يشعرون به عند مواجهة المقاومة دائمًا ما يوجه إلينا مُباشرة.
2. الابتزاز باستخدام عقاب الذات
وعبر هذه الطريقة يقوم المُبتزون بتحويل تهديداتهم إلى أشياء سيفعلونها في أنفسهم لو لم نستجب لرغباتهم ونُحققها لهم، رُبما يُهددون بعدم تناول الطعام أو عدم تناول الدواء إذا كانت حالتهم الصحية تستلزم الحصول على دواء مُعين، ورُبما يصلون إلى الحدّ الأقصى فيُهددون بالانتحار إذا لم نُنفذ لهم ما يرغبون فيه.
3. الابتزاز عن طريق إبراز المُعاناة
في هذا النوع من أنواع الابتزاز، يقوم المُبتزون بإلقاء اللوم على الآخرين وإشعارهم بالذنب لأنهم يُعانون، حتى وإن لم يكن للآخرين دخل في هذا، عادةً ما لا يُصرّح المُبتزون خلال هذه الطريقة بما يريدونه، بل يجعلون الآخرين يستنبطونه، ويزرعون داخلهم الشعور بأنهم مسؤولون عن تحقيق هذا الشيء وتنفيذه، لكي يتخلصوا من اللوم والشعور بالذنب.
4. الابتزاز باستخدام الإغراء
خلال هذا النوع لا يقوم المُبتز بإبراز المُعاناة ولا التهديد، كل ما يفعله أن يعدّ الطرف الآخر بأشياء رائعة ستحدث له عند تنفيذ ما يريده منه.
إذا تأملت عن قرب الأنواع السابقة للابتزاز، فستسطيع التوصل بوضوح إلى أن المُبتز يجب أن يكون شخصًا قريبًا منك، ؤيعرف العقاب الذي يؤلمك أو يعرف أنك ستتألم إذا ما أصابه مكروه أو يعرف جيدًا ما تتمناه ليعدّك بتحقيقه، وهو الوعد الذي قد لا يفي به أبدًا، ولكنك ستكون حققت له ما يريده منك قبل أن تُطالبه بالوفاء بوعده، هذا الشخص المُقرب قد يكون الزوج أو أحد الوالدين أو رُبما هو شخص أبعد من هذا لكنه يعرف جيدًا مفاتيح عقابك أو إغرائك مثل مُديرك في العمل مثلاً.
الابتزاز العاطفي ضد الزوجة
قد يكون أشهر أنواع العنف العاطفي التي تُمارس على الإطلاق هو العنف ضد الزوجة أو الشريك العاطفي بشكل عام، فكثيرون، كثيرون جدًا، من يقعون في شِرك الخلط بين الحب والرغبة في السيطرة، والفارق بينهما عظيم، فالحب لا يستحضر العنف، لكن الرغبة في السيطرة تستحضر كل أشكال العنف، وخصوصًا العنف العاطفي، ورُبما أولها الابتزاز، دعنّا نروي مثالاً حيًّا على هذا.
“سلوى” (اسم مُستعار)، زوجة ثلاثينية، كانت تعيش حياتها وسط سلسلة كاملة من التلاعب، فمثلاً كان يُخبرها زوجها بالعقاب الذي ستتعرض له بشكل واضح، إذا لم تُنفذ ما يريده، فمثلاً إذا لم تسمع الكلام حتى وهي غير مُقتنعة، فلن يذهب معها لزيارة أهلها، أو لن يجعلها تزور أهلها من الأساس، إذا اعترضت “سلوى” على أحد تصرفات أسرة الزوج، فسيكيل لها العديد من الاتهامات بأنها سيئة النفس خبيثة، لا تحمل الكلام على العلات الطيبة، وتُفسره بسواد قلبها وسوء طويتها.
ما جعل “سلوى” تُدرك أن زوجها غير سوي، هو أنها عندما قررت ترك المنزل، بعد الكثير من المُشكلات فوجئت بأن زوجها يُرسل لها أنه سينتحر إذا لم تعد للمنزل، هنا تأكدت “سلوى” أن علاقتها الزوجية هي علاقة مريضة ومؤذية بدرجة ما، وأن هذا شخص يسعى فقط للسيطرة عليها ويستخدم كل الطرق التي تُمكنّه من تحقيق هذا.
الابتزاز العاطفي ضد الأبناء
وفقًا لفورورد، فإن الوالدين، هم من أكثر الأشخاص الذين يُتقنون فن تحويل البالغين الأكفاء إلى أطفال، في كثير من الأحيان يُريد الوالدان الاحتفاظ بسيطرتهما على أطفالهما حتى بعد نضوجهم، فيشعران بأنه من واجبهما أن يُساعداهم على اختيار الزوج، وتحديد الطريقة التي سيُربيا بها أبنائهما، والمكان الذي سيعيشون فيه، والطريقة التي يجب أن يعيشوا بها، وقد يُمارس الآباء على الأبناء قدرًا كبيرًا من السلطة، بسبب ولاء الأبناء لهم، أو خوفهم، وقد يظهر هذا الخوف جليًّا عندما يُهدد أحد الآباء بعدم الرضا أو الحرمان من المساعدة إذا لم ينصَع الابن لرغبة الوالد.
قد لا يرى الوالد أن ما يفعله هو ابتزاز، قد يرى أنه حريص على مصلحة ابنه وأدرى بما يُحقق فائدته، لكن هذا لا يُغير من حقيقة الأمر شيئًا، فهذه الطريقة من التعامل هو ابتزاز وشكل من أشكال العنف العاطفي.
تعرفي أيضًا على: كيف تحمي طفلك من التنمر والعنف المدرسي؟
كيفية التعامل مع الشخص المبتز؟ تجنب الابتزاز العاطفي
إذا كنت تشك في أنك تقع فريسة للابتزاز العاطفي، فهناك بعض الأشياء التي يُقدّمها موقع healthline، والتي يمكنك القيام بها للرد بطريقة مثمرة، ومنها:
1. تعرّف على ما هو ليس ابتزازًا عاطفيًا
لكل شخص تتعامل معه على صعيد أسري أو اجتماعي له احتياجات وحدود يرغب في تلبيتها، يُصبح الأمر ابتزازًا عاطفيًا فقط عندما ينطوي على ضغط وتهديد ومحاولات للسيطرة عليك، فإذا استجبنا لشخص ما بدافع الخوف أو انعدام الأمن، مُعتقدين أن قول لا أو الاحتفاظ بحدود سيؤدي إلى الرفض، فقد نشعر أن هذا ابتزازًا عاطفيًا، لكن يجب الحذر بين ما عليه مشاعرنا وما عليه واقع الأمر، رُبما نشعر بالخوف والتهديد حتى لو لم يُهددنا الطرف الآخر من الأساس.
تعرفي أيضًا على: العنف الجسدي: علامات تدل على عنف الشريك وكيف تنجي بنفسك
2. حافظ على الهدوء والمماطلة
قد يدفعك الشخص الذي يحاول التلاعب بك للإجابة على الفور. عندما تشعر بالضيق والخوف، قد تستسلم قبل التفكير مليًا، وهذا جزء من سبب نجاح الابتزاز. بدلاً من ذلك، حافظ على هدوئك قدر الإمكان وأخبرهم أنك بحاجة إلى الوقت. جرّب بعض الصيغ، مثل: “لا يمكنني أن أقرر الآن. سأفكر في الأمر وأعطيك إجابتي لاحقًا”. قد يستمرون في الضغط عليك لاتخاذ القرار على الفور، لكن لا تتراجع. كرر بهدوء أنك بحاجة إلى وقت.
3. بدء محادثة مع الطرف الآخر
يجب أولاً تقييم السلامة الشخصية، إذا كنت تشعر بالأمان النفسي والجسدي عند القيام بذلك، يمكنك المشاركة في محادثة. يعرف الكثير من المبتزين بالضبط ما يفعلونه. إنهم يريدون تلبية احتياجاتهم ولا يهتمون بما يكلفك ذلك، يرى الآخرون ببساطة سلوكهم كإستراتيجية تحقق أهدافهم ولا يدركون كيف يؤثر ذلك عليك. هنا، يمكن أن تساعد المحادثة في زيادة وعيهم. عبّر عن شعورك، عمّا تسببه لك سلوكياتهم وطريقتهم من ضغط ومشاعر سلبية، وامنحهم فرصة لتغيير تلك السلوكيات.
4. حدد محفزاتك:
عادة ما يكون لدى الشخص الذي يحاول التلاعب بك فكرة جيدة عن كيفية الضغط عليك، فإذا كنت لا تحب الجدال في الأماكن العامة، على سبيل المثال، فربما يهددون بخلق مشهد سيئ في الشارع أو في مكان عام، هنا تأتي أهمية زيادة فهمك لمخاوفك أو لمعتقداتك التي تمنح الابتزاز قوته، يمكن أن يوفر هذا الفهم فرصة لاستعادة تلك القوة. سيجعل هذا الأمر أكثر صعوبة على الشخص الآخر لاستخدامها ضدك.
5. حاول إيجاد الحلول الوسط
حاول البحث مع الطرف الآخر عن إيجاد حل بديل، ابدأ بعبارة تفهم لمشاعرهم، ثم افتح الباب لحل المشكلات بشكل تعاوني. ربما يُمكنك أن تُخبر زوجتك: “أفهم أنك تشعرين بالغضب لأنني أقضي عطلة نهاية الأسبوع مع أصدقائي. هل يمكنكِ مساعدتي في فهم سبب شعورك بالإحباط الشديد؟”، يُظهر هذا للشخص الآخر أنك تهتم به وبما يشعر، ويخبره أنك على استعداد للعمل والتعاون معه لإيجاد الحلول.
6. التجنب وإنهاء العلاقات
إذا واجهت تلاعبًا مستمرًا أو إساءة عاطفية، ولم تفلح الخطوات السابقة، فقد يكون من الأفضل تجنب مواجهة الشخص أو التعامل معه أو إنهاء العلاقة إذا كان هذا مُمكنًا. وإذا هدد شخص ما بإيذاء نفسه ما لم تفعل ما يقوله، وأنت تشعر بميل أكثر للاستسلام. فتذكر أنه: يمكنك فقط التحكم في أفعالك. بغض النظر عن مدى اهتمامك بشخص ما، لا يمكنك اتخاذ الخيارات له، فقط حاول أن تصل به إلى اختصاصي يدعمه ويساعده.