التنمر الوظيفي.. التنمر الذي نتعرض له نحن الكبار

1558

بقلم/ هديل إسلام

 

عادة ما ترتبط صورة التنمر في أذهاننا بصورة طفل ضعيف ومسكين، في سياق المدرسة أو أطفال يلعبون في الشارع. هذه الصورة النمطية تجعلنا نشعر أننا بعيدون تمامًا عن التنمر، لكن في الواقع إننا أيضًا معرضون للتنمر، خصوصًا في بيئات العمل، وهذا ما يطلق عليه التنمر الوظيفي.

 

ما هو التنمر الوظيفي؟

هو أحد أو بعض أشكال الأذى الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي، الذي قد يتعرض له الموظفين من جانب صاحب العمل أو مدير أو أي شخص صاحب سُلطة ما في مكان العمل. وظاهرة التنمر الوظيفي منتشرة في مختلف بيئات العمل أكثر مما نتخيل، وقد تصيب الكثير من الموظفين والموظفات في مختلف مراكزهم ومواقعهم.

 

وفيما يلي سنسرد قصص عدد من السيدات مع التنمر الوظيفي، وكيف دفعتهن تجاربهن إلى ترك العمل، لكن حتى ترك العمل لم يحررهن من وقع التجربة وآثارها السلبية عليهن.

 

القصة الأولى: العدوانية السلبية

تحكي أ.ج أن مديرتها في الهيئة الحكومية التي كانت تعمل بها مارست ضدها التنمر بكل أشكاله، دون أن تفعل هي أي شيء يستحق هذه المعاملة. فقد كانت تقلل من عملها وأهميته، ولا تسند إليها مهام العمل التي تناسب خبرتها وتخصصها، بل حصرتها في مهام صغيرة، كما لو أنها مساعدتها الشخصية.

كما كانت هذه المديرة تهدد موظفيها على نحو مباشر وغير مباشر. وفي أحد المواقف التي تحكيها أ.ج، تقول إن هذه المديرة كانت تهدد موظفيها -كما لو أنها تمزح- بأنها ستُعلق مرايا على الحائط لتعكس ما يفعلونه على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم.

وعن تأثير هذا النمط من التنمر عليها، تقول صاحبة القصة إن هذه المديرة دفعتها بالتضحية بوظيفتها وعملها، وإن هذه التجربة كانت ضاغطة جدًا لدرجة أنها لاحقتها في كوابيسها لسنوات عديدة.

 

القصة الثانية: المتنمر مهووس بالسيطرة

تحكي ع.ي أنها كانت تعمل مُعلمة في بداية مسيرتها المهنية، وحينها كان مدير المدرسة شخصًا مريضًا للغاية، حتى أنه كان يتلذذ بعقاب المعلمين والطلاب على حد سواء.

وفي أحد أيام شهر رمضان، وقعت بعض الفوضى بالمدرسة في أثناء خروج المعلمين، فقرر معاقبة المعلمين والمعلمات بإيقافهم صفين ومنعهم من مغادرة المدرسة رغم حلول مواعيد الخروج، من منطلق أنه سيعاقبهم على هذه العجلة بتأخريهم لمزيد من الوقت، ثم استنتج من تلقاء نفسه أن النساء بالأحرى هم سبب الفوضى، فسمح للمعلمين الرحيل واستمر في معاقبة المعلمات بإيقافهم في الطقس الحار لساعة أخرى وهن صائمات.

وعندما واجهته ع.ي بأنه لا يحق له معاقبة المدرسات على هذا النحو، استشاط غضبًا وطردها من العمل. وتُعلق ع.ي بأنها لم تترك هذه الوظيفة فحسب، بل تركت مهنة التدريس إلى الأبد.

 

القصة الثالثة: عندما يتحول العمل إلى علاقة مؤذية

تحكي م.ن أنها في بداية عملها في ذلك المكان المؤذي، شعرت ببعض الابتزاز بسبب تلميحات صاحب العمل بأنها لا بد أن تبقى لساعات إضافية في العمل، لتثبت ولاءها، حتى إذا لم يكن هناك ضرورة لذلك، وإلا فإن أداءها خلال ساعات العمل المتفق عليها غير كافٍ، وفي البداية استجابت صاحبة القصة بدافع من شغفها أو رغبتها في إثبات ذاتها، لكنها أدركت مع الوقت أن العمل يستنزفها حتى آخر نفس.

كما شعرت في البداية أن صاحب العمل يحاول استمالتها لتصبح “عصفورة المكان”، وعندما لم تستجب للأمر، تحولت كل مجاملاته إلى مضايقات، ومنها الانتقاد دون معايير واضحة، أو المبالغة في الخصم من الراتب، مع تطبيق ذلك في أوقات معينة، أي حسب رضا الإدارة. وتستعجب صاحبة القصة من رغبة الإدارة في استمالتها للتجسس على الآخرين، في حين أنهم كانوا يؤدون هذه المهمة على أكمل وجه من خلال مراقبة الأجهزة وما عليها من برامج للتواصل.

 

كيف تعرفين أنكِ تتعرضين للتنمر في مكان عملك؟

هناك الكثير من الأمور التي قد نتعرض لها جميعًا، ولا نعرف إذا كانت تدخل تحت نطاق التنمر، وإذا تشابهت أحداث قصتك مع هذه القصص أو النقاط الواردة فيما يلي، فاعرفي أن بيئة العمل التي تعملين بها غير صحية.

 

ومن علامات التنمر الوظيفي:

– الاستخفاف بعملك والتقليل منه بشكل متكرر.

– التقليل من أهميتك أو من عملك أو من مشاعرك أمام الآخرين.

– التخويف والتهديد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

– الانتقاد المتكرر دون معايير واضحة، أو تغيير تلك المعايير من موقف لآخر.

– حصرك في الأعمال التي لا ترغبين بها.

– استخدام الصمت والتجاهل كوسيلة للعقاب.

– الخصم من الراتب أو رفض طلب الإجازات بشكل متكرر ودون حجج مقنعة.

 

كيف يمكنك مواجهة التنمر الوظيفي؟

– تقدمي بشكوى إذا أمكن ذلك. بالطبع هذا الأمر ليس عمليًا إذا كان المُتهم هو الحكم، لكن إذا تسنَّت لكِ الفرصة وكان هناك سياسات واضحة متبعة في هذا الشأن، تقدمي بشكوى على الفور.

– أحيانًا ما يخدعنا المتنمرون والمؤذيون أن الأمر برمته من نسج خيالنا، لذا احرصي على توثيق كل شيء يحدث معكِ، حتى لا تنسي، أو على الأقل لتفكري بعقلانية وتتأكدي أن ما يحدث معك يعتبر تنمرًا قبل اتخاذ أي قرار.

– ضعي حدودًا واضحة في التعامل مع الآخرين، ووضحي للمتنمر أن هناك تصرفات وعبارات لا يمكن أن تتقبليها.

– ترك العمل ليس بالقرار السهل، لكن تذكري أنكِ تستحقين العمل في بيئة صحية تحترمك وتقدرك.

– إذا كنتِ لا تستطيعين ترك العمل في الحال، على الأقل احرصي على أن يكون لديكِ أشخاص مقربون في هذا المكان، أشخاص يمثلون القوة الداعمة لكِ، فهذا على الأقل قد يساعدك على تحمُّل ما تتعرضين له من تنمر.

 

التنمر ليس بالأمر البسيط، حتى إذا كنا ناضجات وبالغات وواثقات من أنفسنا ونتمتع بشخصيات فولاذية، فالمتنمر ينتهز نقاط ضعفنا ويحاربنا بخسة ويؤذينا دون أن نشعر. المتنمرون في كل مكان، لكن أماكن العمل على وجه التحديد كثيرًا ما توفر بيئة خصبة لتطبيق الأفعال التنمرية. ولا يسعنا نحن سوى الهروب من تلك البيئات أو السعي لتطبيق سياسات عادلة ضد التنمر في أماكن العمل.

 

المصادر:

https://www.humanrights.gov.au/workplace-bullying-violence-harassment-and-bullying-fact-sheet

https://www.thebalancecareers.com/how-to-deal-with-a-bully-at-work-1917901

 

Workplace bullying: Violence, Harassment and Bullying Fact sheet

How to Deal With a Bully at Work

المقالة السابقةفي البكاء راحة
المقالة القادمةنداء أخير للركاب.. نداء لاستعادة البصيرة
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا