يا اللي إنتي حبك حرية

883

 

بقلم/ هايدي كارم

 

معظم أبناء الجيل ده اتربى على الحب المشروط. “أنا بحبك ما دمت بتعمل زي ما أنا بحب، مش زي ما إنت تحب”.

مين فينا وهو صغير مسمعش كلام من نوعية “كُل عشان أحبك” أو “سلِّم على طنط عشان نحبك”، ولما كبرت شوية أكيد اتقالك يوم ما غلطت “أنا كده مش هحبك”، يمكن كمان اتقالك إن ربنا جل جلاله مش بيحبك عشان مسمعتش الكلام، ولما كبرت أكتر وكان لازم تختار مستقبلك اللي جاي، اترسملك طريقك عشان متزعَّلش اللي بيحبوك منك.

 

لو كل ده محصلش يبقى يا بختك!

لو حد كان دايمًا بيقولك إنه بيحبك رغم أخطائك الطفولية الفادحة، اللي لا إنت ولا أهلك فاكرينها يبقى إنت في الغالب طفولتك كانت أمتع من ناس كتير.

محدش فاكر إنه مخلصش باقي الأكل ولا امتى زق أخوه الأصغر منه، بس يمكن تفتكر امتى وفين وإيه كان إحساسك لما اتقالك إنت قد إيه كنت وحش، وإننا مش بنحبك، أو على الأقل مش بنحبك كفاية، رغم إن عمرها ما كانت دي الحقيقة، لكنها الإستراتيجية المتبعة للتربية. يمكن متقالتش في العلن، بس اتقالت كل مرة متقبلتش وقت ما كان لازم يقبلوك، عشان تتعلم تقبل نفسك لما تكبر حتى لو غلطت.

 

مفهوم الحُرية في الحب مش موجود في بيوت كتير، ووجود طفل هادي مطيع ألطف لأجواء الأسرة السعيدة، أما لو الطفل ده حاول -لا قدر الله- يقول أنا هنا، أنا موجود، اسمعوني، يبقى الأمر لازم يتحسم في سنوات حياته الأولى، وهو وحظه بقى.. يا إما يتمرد ويتعود على التوبيخ من مصدر الأمان الأول له، فيعيش طفولة غير آمنة، يا إما يقرر يسمع الكلام حفاظًا على ما تبقى من إنسانيته وكرامته.

 

مفهوم الحرية في الحب لا يتعارض أبدًا مع التربية.

حتى لو ابنك اللي عدد سنين عمره تتعد على الصوابع اتصرف بشكل غير لائق، زي ما معظم العيال بتعمل في أهاليها، عشان هم عيال عادي، يعني لسة بتتعلم وبتغلط وبتفهم، فالعيب في التصرف، لكنه هيفضل طول عمره ابنك مهما غلط.

 

قد إيه كلمات بسيطة ممكن يكون وقعها كبير على شخصيتك ومستقبلك واختياراتك. حياة كاملة ممكن تترسم بشكل مختلف، لو بس اتعلمت تبقى حُر في اختياراتك بعد ما اتزرع فيك قيم أهلك وبيئتك ودينك.

كام سنة ممكن تحتاجها عشان تكتشف نفسك وتتحرر من قيود محطوطة حواليك باسم الحب المشروط، من أسرتك أو شريك حياتك أو صاحبك اللي ممكن يبقى صديق سوء، وإنت عارف بس ماشي وراه أحسن يزعل! امتى أول مرة اكتشفت إنك إنت شخصيًا ممكن تكون بدأت تتعامل مع الناس وتحبهم بشروط؟!

 

طيب يا ترى كملت الدايرة دي وبدأت تمارس نفس الشيء على ولادك؟

أتمنى إنك توقف الدايرة دي عندك.

قوله إنك بتحبه حتى لو غلط أو أساء التصرف.

في يوم من الأيام هيكبر ويسيب إيدك ويبقى حر، خصوصًا في أيامنا دي.

مفيش حاجة ممكن ترجعه ليك وللي زرعته فيه إلا الحب.

 

مفهوم الحرية في الحب لا يتعارض أبدًا مع التربية

 

المقالة السابقةلماذا لا أكتُب عن الأمومة؟!
المقالة القادمةقرر الرحيل دون أن يخبرني
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا