ينطلق صوتها كمدفع رمضان مفرقعًا مفتتًا صمت الليل مخترقًا أذني العزيزة.. صائحة في عم محمد بين قوسين "أبو شهاب".. أقفز لأتفرج على الخناقة زي كل الجيران -عادي يعني- تحاصره في ركن ما في الصالة مستقوية عليه بجسدها الكبير بينما يتراجع بجسده الضئيل إلى الوراء ويختفي الاثنان عن مجال رؤيتى.. تأتينى جمل حادة كاسرة لسكون الليل "إنت متضربوش أصلاً.. ملكش كلام عليه، هو إنت أصلاً أب؟! إنت مش معانا في أي حاجة في حياتنا، جت على دي؟! اوعى تمد إيدك عليه.. أنا بقولك أهو".. يستجمع شجاعته "أنا أبوه غصب عنك" وينطبق الصمت مرة أخرى فلا أعرف نهاية الخناقة، وأدخل في النوم مرة أخرى وأنا بحسبن على أهلها جميعًا وألعن ضعف أبو شهاب.
أم شهاب تمثل بالنسبة لي الزوجة والأم الشعبية العصبية ذات الصوت الحاد، والمجاملة قليلاً الصادمة كثيرًا، خصوصًا لزوجها وابنتها.. تدلل الابن دائمًا وتعنف باقي البشر إلا في حالات نادرة.. تقف دائمًا في البلكونة تشاكس زوجها حيث هو تحت في الورشة.. عفوًا لا تشاكسه بل هي بتطلع تلاتة جنزبيل أهله.. يطلب منها التليفون في مرة: "وهو إنت عاوزه ليه يعني؟ خايف على الرصيد مني؟ أنا معايا عدتين يا خويا.. خد".
ثم حدفت له الموبايل في الشارع من الدور التالت بنت المجنونة..
تلك المخلوقة الشرسة التي تناكف البياعين وتشتري نادرًا.. تبعث برسائل تناكة على الجارات التي يوقعهن حظهن التعس أن يخرجن للبلكونات في لحظة وجودها.. تلك الـ"أم شهاب" الشرسة مع زوجها تقدس تمامًا يوم الخميس.. تتحول لأنثى.. آه والله! وعم محمد بيصدقها!
أعتقد أن جيل أم شهاب والطبقة الشعبية هي فقط التي تتعامل مع وهم ليلة الخميس بقدسية.. قبل الزواج ستجدين الحديث يدور كثيرًا حول أهمية يوم الخميس وربطه بطبيخ اللحمة والخضار أو المحشي وقلة الأدب!
لكن الزواج كله مفاجآت وانبهارات، ومش كل اللي بيتقال على علبة العصير إن الطعم حلو وفيه قطع فاكهة طبيعية وبيفرقع في البُق هتلاقيه جوة العلبة.. لا الاهتمام بتاع الخطوبة ولا الكلام الحلو ولا البوس اللي كان بيتسرق من ورا أهلك أيام الخطوبة هيدوم.. لا بنفس الحلاوة ولا الحماس ولا هيبقى موجود أصلاً.. لذا هتلاقي البرنس بيقضي يوم الخميس مع صحابه على الكافيهات.. ولو اتكلمتي هيبقى إنتي خنيقة؛ ما هو معاكي كل الأسبوع وهيطلع لك بالحتة بتاعة "حقها ولا مش حقها!" وإنه من حقه يخرج مع صحابه ومش مهم تقعدوا تسهروا مع بعض تتفرجوا ع التليفزيون تتعشوا.. تتكلموا.. بوسة لطيفة كلمة رقيقة، مناغشة ما يضرش.. يحكى لعيل م العيال حدوتة وينيمه + غمزة من العين.. لا طبعًا ده اليوم الوحيد اللي بيبقى فيه مع صحابه. تاني كده؟ اليوم الوحيد؟ لا طبعًا البيه مقضيها كل يوم معاهم، ولو مش معاهم ومعاكي إنتي الـ6 أيام الباقيين بيبقى قاعد ساكت قامط صامت ماسك موبايله بيشيت منفض لوجودك، وتكلميه ميردش..
- مبتردش ليه؟!
- مانا سامع.
- والله؟! مانا عارفة إنك سامع!
يوم الخميس.. يا عزيزتي العبيطة لن يكون من نصيبك.. مطلقًا. ربما تكون أم شهاب مسيطرة على أبو شهاب، لكن إنتي يا عزيزتي هتقعدي في البيت لوحدك تقلبي في التليفزيون وترني عليه عشان يكلمك فميتكلمش، فتطولي الرنة يكنسل، بعد شوية هيقفل التليفون، تدوري على فيلم عاطفي على أم بي سي ماكس، أو تنزلي حلقات ديسبريت هاوس وايفز، ولو ربنا بيحبك هيرزقك بمشهد من فيلم أحلى الأوقات لما كانت بتقوله "عاوزة ورد يا إبراهيم".. أو بالحتة اللي كانت يسرية بتقول لصاحباتها "أحلى حاجة في الجواز الحضن.. الرجالة بعد الجواز مبتعرفش تحضن"، وتقعدي تدوري على مشهد عاطفي من هنا وحتة من أغنية هنا على بوسة من هنا، تتجنبي حلقات الرعب على توب موفيز وأكشن وتتجاوزي حلقات التوك شو.. وتفضلي تجمعي في مشاهد وحالات متقاربة منك لحد ما تعملي حالتك الخاصة.. تحمدي ربنا على الفن والأفلام اللي بيعوضوكي الفراغ العاطفي اللي إنتي فيه.. وبعدين تلاقي نفسك بعد ما كنتي مبسوطة جدًا محبطة جدًا "أنا كمان عاوزة من ده.. إشمعنى اللي في الفيلم؟!"، وترجعي تدوري عليه، تليفونه مغلق، وبعدين تقومي تنامي وتسمعي البيه راجع بيغني ورايق لا يحمل مثقال ذرة من ذنب.
عزيزتي المرتبطة أو اللي بتحب أو اللي مخطوبة أو اللي ماشية مع واحد.. هو ده مصيرك في ليلة الخميس فتهيئي وتقبلي، يا إما تبقي زي أم شهاب..