ومن المسؤولية ما قتل

1927

“مش عاوزة أبقى مسؤولة.. مبحبش أكون قدوة” هذا ما افتتحت به بنت في الصف الأول الإعدادي حديثها معي. فهي الأخت الكبرى، وأهلها دائمًا يطلبون منها أن تعتني بأختها الصغرى في غيابهما إلى جانب اصطحابها معها عند النزول للعب مع أصدقائها في الشارع. وطبعًا الفتاة صاحبة المشكلة ترغب في النزول بدون أختها حتى تستمتع بحريتها في اللعب.

 

أخبرتني البنت أيضًا أنها كثيرًا ما تنهر أختها الصغيرة لأن أبويها يعاقبانها عندما تخطئ هي وكذلك عندما تخطئ أختها الصغرى لأنها قدوة! هذا إلى جانب تكليفها بترويق المنزل يوميًا.

جميل أن يعلّم الأهل أبناءهم تحمل المسؤولية، لكن إلى أي مدى يكون تحميل المسؤولية للطفل مفيدًا ومتى يصبح ضارًا؟

 

من الأقوال الدارجة “اللي يزيد عن حدّه ينقلب لضده”، و”خير الأمور الوسط”، لذا على الأهل مراعاة قدرات الطفل وخصائص المرحلة العمرية التي يمر بها عند تحميله أي مسؤوليات حتى لا تتحول رغبتهم في تنمية إحساسه بالمسؤولية إلى إساءة.

 

 نعم، فأحد أشكال الإساءات للأطفال التي ذكرها د. أوسم وصفي في كتابه “مهارات الحياة”: التورط العاطفي غير الصحي مع الأبناء. وهذا معناه أن يحمّل الأهل الأبناء همًا أكبر منهم أو مسؤوليات تفوق قدراتهم، فتفضفض الأم لابنتها عن مشكلات البيت ومشكلاتها مع زوجها، أو يتحمل الطفل مسؤولية العمل والإنفاق على البيت (لا مانع من أن يعمل الطفل في الإجازة عملًا يناسب سنه وقدراته، ولكن أن يعول أسرته فهذا أمر مختلف!)، أو يطلب منه بشكل مستمر تنظيف المنزل وشراء احتياجاته (لا مانع من المشاركة في ذلك حسب قدراته)، أو يتحمل مسؤولية الاعتناء بإخوته الصغار بشكل أساسي، بل ويعاقب إن أخطأ هو أو الأخ الأصغر! 

 

إن تحميل الطفل مسؤولية أكبر منه يضعف ثقته بنفسه وقد يدفعه إلى الهروب من المسؤولية فيما بعد. كما أنه يحرمه من الاستمتاع بطفولته، مما يجعله ناضجًا نضجًا غير حقيقي وهو ما يطلق عليه في علم النفس “الوالدية المزيفة”. وهي حالة من النضج غير الحقيقي يمارس فيها الشخص العطاء أكثر من الأخذ، ولكن سرعان ما ينقلب عطاؤه هذا إلى عنف أو يتحول إلى اكتئاب وحزن.

 

فمثلًا يصبح الشاب الذي يساير أصدقاءه ويتحملهم في كل شيء مما يدفعهم إلى استغلاله، أو يصير الشخص الذي لا يستطيع أن يأخذ أو يطالب بحقوقه واحتياجاته بل ويشعر بالذنب إذا أخذ. أما “الوالدية الحقيقية” فهي التي تمر بالقدرة على الأخذ لكي يكون عطاؤها فيما بعد مستقرًا.

 

الإساءة الثانية التي تعرضت لها الفتاة صاحبة القصة، هي النقد المستمر على الأخطاء التي ترتكبها، بل والتي ترتكبها الأخت، وهذا نوع من الإساءات النفسية. وفضلاً عن أن هذا يفسد العلاقة بين الأختين -لأنه يدفع الأخت الكبرى إلى الاعتقاد بأن أختها هي السبب في تعرضها للعقاب- فهو يخلق لدى الفتاة نزعة نحو الكمال، أي الشعور الدائم بالتقصير والذنب، وعدم تقبّل حدوث الخطأ من نفسها أو من الآخرين، مما قد يدفعها إلى تصيّد أخطائهم ومحاولة السيطرة عليهم فتدخل في علاقات غير صحية قائمة على السيطرة والخضوع، وتفسد علاقاتها بالناس. 

 

الخلاصة: نعم.. نحمّل أطفالنا المسؤولية، ولكن المفتاح أن يكون ذلك بما يتناسب مع قدراتهم وسنهم. 

 

المقالة السابقةست حاجات بتلوي بوز البنات
المقالة القادمةطعام.. صلاة.. حب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا