وما الحب إلا…

756

 

بقلم/ حازم أشرف

 

لماذا خلق الله الحب؟ خلقه ليكون غاية الحياة أم وسيلة لها؟ هل توجد تلك العاطفة بالجنة، أم هي التي تجعل الأرض وما عليها جنة؟

 

من الممكن أن نعتبر الحب درجات، وقد نعتبره أفلاكًا تدور حول مركزٍ واحدٍ، كلا الاعتبارين قابلان للتوضيح، فلنأخذ طريق الأفلاك.

 

كلٌ منا يملك القدرة على أن يُسقي الحب للجميع، وإن تفاوتت تلك القدرة من شخصٍ لآخر، لكن الكل بالأصل محب. هناك من يذهب حبه لنفسه فقط، وآخر ينفق كل حبه في حقل عائلته، وآخرون يبذرون الحُب لتنمو شجرة الصداقة وحدها قوية الجذور، والبعض يملأ كأس الحب للحبيب وحده حتى يفيض. الحب ليس بخطأ، ولكن إساءة توزيعه هي أكبر خطأ.

 

من لم يحب ذاته، لم يستطع مواصلة الحياة. فالذات هي التي تحرك البشر نحو غاياتهم، هي التي تجعلهم يفكرون بالغد ويتعلمون من الأمس. الذات هي الحصن الأخير الذي يعني انهياره زوال الماضي وانكسار المستقبل. حب الذات هو الذي صنع عظماء وقادة وصُنَّاع حضارة. فليتقبل كلً منا ذاته ويؤمن بها، ويتجنب ما يقلل من شأنها في نظره.

 

العائلة هي المكان الدافئ الذي يشعر الإنسان فيه بالطمأنينة، هنا الحب بلا مقابل، هنا الأصل الذي نشأت منه، وستظل منتميًا له. إن تأثرت بشمس الحياة الحارقة، فلن تجد ظلاً إلا تحت شجرة العائلة. قد تضعف الأواصر وتذبل أوراق تلك الشجرة، وقد يغطي الثلج الشجرة كلها، ثم يأتي وقت يذيب دفء الحب ذلك الثلج، وتنمو الورقات مرة أخرى، خضراء وحية.

 

الصديق الحق هو الذي يلازمك بالشدة واليسر، هو الذي يسأل عن حالك إن ابتعدت أو فرَّقت بينكما طرق الحياة. هو الذي يراك أخًا اختارته الأقدار له. قد تختلفا وتتعاركا ويصل الأمر للخصام أحيانًا، لكن دائمًا يوجد من يبدأ الوصال مرة أخرى، الحقيقة تقول بأن الصديق هو الذي لا يسبب لك الحزن، إنما هو أحد مصادر السعادة. صديقك هو أول من تفكر به وقت الحاجة، وهو مرآة لذاتك، يحزن لحزنك ويسعد لفرحك. الصداقة رباط، يربط القدم بالقدم، فلا تجعله حبلاً يلتف حول رقبتك.

 

صرت أنظر للسماء أكثر من نظري للأرض، أعيش مع الطيور بسمائها بدلاً من البشر وأرضهم، صارت روحي أخف وزنًا، وأؤمن بأن طيراني قريبٌ. رأيتها طائرًا أبيض جميلاً، تحلق في السماء مع السرب بلونها المختلف عنهم، لا أدري إن كانت هي تتبعهم أم هم من يتبعونها. أسأل نفسي عن ذلك الحب: ما طبيعته؟ وما سببه؟ لا تهم الإجابات، فقد مسني ملك الحب، هو حبٌ لأجل الحب. صرت أعشق الأماكن التي حلَّقت بها، وأصبحت أحب كل من يذكرني بها، وأتمنى أن أراها فيهم. عين المحب ترى الحبيب كاملاً دون نقائص، الأرض تشهد ذلك الحب، فتتوقف عن الدوران لكل حبٍ صادقٍ، وشجرة الحياة يتجدد نموها لأن هناك من يحب.

 

انتقلنا من فلك الذات، إلى فلك العائلة، وبعده فلك الأصدقاء، لنصل بالنهاية إلى فلك الحبيب. بكل فلكٍ تركنا جزءًا من حبنا، كلما كان الحب بكل فلك صادقًا، كان ذلك الجزء منصفًا، فكل ما هو خير يدفع لمزيد من الخير، وكل ما هو شر يزداد طمعًا وحقدًا. جميع الأفلاك ندور بها بنفس الوقت، فعلينا أن نضمن أن يكون الدوران بنفس الاتجاه حتى لا يحدث تشتت.

 

قررت أن أؤجل ذكر مركز الأفلاك بالنهاية، فالمركز الذي تدور حوله جميع الأفلاك هو الله، فكل حبٍ نقيٍ يقرب من حب الله، وكلما خبث الحب، ابتعد الإنسان عن المركز وصار تائهًا بين تلك الأفلاك.

 

الحب أفلاك تدور حول مركزٍ واحدٍ

 

المقالة السابقةتذكرة رحيل
المقالة القادمةالأمومة.. المرادف الجديد للوحدة
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا