هل يمكن الهروب من الإنهاك؟

1021

الإنهاك: شيء يشبه وصف أم “ليلى سليمان” في رواية “الباب المفتوح”، حينما قالت “جسمي مهزوم”، فجأة تشعرين بأن كل شيء يتآمر ضدك لدرجة أن جسمك نفسه يؤلمك بشدة، بلا سبب واضح في بعض الأحيان.

 

الإنهاك يسبب تعاسة، هذا صحيح، ويجلب معه الابتعاد عمن حولك عاطفيًا، وذلك مع الأسف يهدد عملك وصحتك وعلاقاتك بالآخرين، وقبل ذلك، علاقتك بنفسك. لكنك لو عرفتِ العلامات مبكرًا، يمكنكِ أن تتجنبي تفاقم حالة الإنهاك، أو لو وصلتِ لها بالفعل، هناك خطوات يمكن اتباعها للتخفيف من الموضوع.

 

تذكري دائمًا أن “الأمور ليست بالسوء الذي تبدو عليه، لذلك واصلي الحلم.. احلمي، كما يقول “روي أوربيسون” في ساوند تراك فيلم “You’ve Got Mail”.

 

ما تعريف الإنهاك؟

“الإنهاك حالة من التعب الجسماني والذهني والعاطفي، الناتجة عن الوقوع تحت ضغط عصبي مستمر. ويحدث حينما يشعر الإنسان بالهزيمة، وبأن مشاعره قد استُنفدت لآخرها، ويصبح غير قادر على تلبية ما يُطلب منه باستمرار”.. برافو، لقد اهتدوا أخيرًا لمعرفة ما يشعر به كثير منّا في أغلب الأوقات.

 

هل شعرتِ بالفزع بالفعل؟ هل تريدين معرفة العلامات التي ربما تقودكِ نحو الإنهاك؟ تفضلي:

– كل الأيام سيئة ومتشابهة.

– يبدو الاهتمام بمنزلكِ أو تأدية عملك تضييعًا للطاقة، لأنكِ لا يمكنكِ إنجاز شيء على ما يرام، وستعيدين فِعل نفس المهام ثانية قريبًا جدًا (سَبَت الغسيل لا يفنى لكن يُستحدث من العدم، مثلًا).

– تشعرين بالإرهاق طوال الوقت.

– معظم يومك تقضينه في مهام إما مملة جدًا وإما تستنفد كل قواكِ.

– تشعرين بأن لا شيء مما تفعلينه يُحدِث أي فارق، أو يلقى أي تقدير.

يشعر معظمنا في بعض الأيام بالعجز وبأنه قد فاض به، وبأن النهوض من الفراش وحده يستلزم استدعاء قوى هرقل. لكن، لو كانت تلك حالكِ أغلب الوقت، فربما تعانين من الإنهاك.

 

تذكري أن الوصول إلى هذه الحالة عملية تدريجية، فقد تبدو العلامات بسيطة في البداية لكنها تزداد سوءًا مع الوقت. لذلك، انتبهي لها مبكرًا كي تعملي على حلّها وتجنب ما يؤدي إليها. تشمل هذه العلامات:

– الشعور بالتعب والاستنزاف معظم الوقت.

– الإصابة المتكررة بالصداع.

– ضعف المناعة، بحيث تتكرر الإصابة بالأمراض أو ألم العضلات.

– الشعور بالفشل أو زيادة الشكّ في نفسك وأفعالك.

– لا يوجد ما يحفّزك. 

– الانفصال العاطفي، والشعور بأنكِ وحيدة في هذا العالم.

– زيادة الشعور بالسخط والازدراء، وزيادة المشاعر السلبية عمومًا. 

– عدم القدرة على الشعور بالرضا أو الإنجاز، مهما كان ما فعلتِه كبيرًا أو مؤثرًا.

 

العلامات السلوكية:

– الانسحاب من المسؤوليات.

– عزل نفسكِ عن الآخرين.

– المماطلة في إنجاز المهام.

– الاعتماد على الطعام أو المهدئات أو الكحوليات للتأقلم.

– ممارسة إحباطك على الآخرين، أولادك مثلًا أو زملاء العمل أو إخوتك… إلخ. 

– التغيب عن العمل أو الحضور متأخرًا والانصراف مبكرًا.

 

أسباب الإنهاك:

غالبًا ما يحدث بسبب العمل، لكن أي شخص يشعر بأنه مغمور أسفل جبال من الواجبات، ولا يحصل على تقدير كافٍ عُرضة للإصابة به، سواء كنتِ موظفة لا تحصلين على إجازات كافية أو أم لا يمكنها ملاحقة طلبات أولادها المستمرة أو الأعباء المنزلية، أو الاهتمام بأحد الوالدين كِبار السن.

 

ويمكن الإصابة به بسبب طريقة حياتك أو صفات شخصيتك، فمثلاً ما تفعلينه في الأوقات الصعبة، وطريقة رؤيتك للعالم، يمكنهما أن يلعبا دورًا كبيرًا في أسباب الشعور بالإنهاك، تمامًا مثل ضغوط العمل أو مطالب المنزل.

 

أسباب الإنهاك المتعلقة بالعمل:

– الشعور بأنك لا تملكين أي سيطرة على عملك.

– غياب الاعتراف بجهودك أو المكافأة عليها.

– مطالب الوظيفة غير معقولة أو غير واضحة.

– وظيفتك مملة أو لا ترضيكِ.

– العمل في بيئة فوضوية أو تسبب ضغطًا كبيرًا عليكِ.

 

وأسلوب الحياة له يد أيضًا:

– العمل لساعات طويلة بلا وقت كافٍ للراحة أو التواصل الاجتماعي.

– انعدام العلاقات الاجتماعية القريبة منكِ والداعمة لكِ.

– الاضطلاع بمسؤوليات كثيرة جدًا، دون الحصول على مساعدة كافية من الآخرين.

– عدم الحصول على قدرٍ وافٍ من النوم.

 

صفات الشخصية:

– التمسّك بالكمال، حيث لا شيء جيّد بما فيه الكفاية.

– نظرة تشاؤمية نحو نفسك والعالم.

– الحاجة للسيطرة، بحيث تترددين كثيرًا قبل توكيل الآخرين أن ينجزوا أي مهمة، لأنهم -طبعًا- لن يقوموا بها على النحو الأكمل.

– امتلاك شخصية لا ترضى إلا بالامتياز والكمال في كل شيء.

 

هل وجدتِ نفسك في أي مما سبق؟ تقريبًا أنا وجدت كل ما سبق وزيادة أيضًا، شكرًا والله يا جماعة منجيلكمش في حاجة وحشة.

 

من أجل التخلص من الإنهاك، استعيني بالآخرين.

ستشعرين بالعجز، في طريقك للإصابة به، لكن هناك خطوات إيجابية يمكنك اتباعها، وواحدة منها طلب المساعدة، مثل الاستعانة بـ”ماري بوبينز” كده.

التواصل الاجتماعي ترياق طبيعي لمواجهة الضغط.

ملحوظة: ليس وسائل التواصل الاجتماعي.

إن الحديث وجهًا لوجه مع مستمع جيّد أسرع الطرق لتهدئة جهازك العصبي. ولا يجب أن يصلح من تحدثينه أسباب ذلك الضغط، لأن المطلوب منه فقط أن ينصت باهتمام، دون أن يقاطعك أو يصدر عليكِ الأحكام أو يتشتت انتباهه.

 

لكن.. هل ستجعلني شكواي عبئًا على الآخرين؟

لأ والله العظيم. لأنه في الحقيقة، أغلب الأصدقاء والأحباب الحقيقيين سيسعدون لأنك وثقتِ فيهم كفاية لتخبرينهم عما يضايقك، وسيقوّي هذا علاقتكم. لكن لاحظي ألا تتحوّل كل لقاءاتكم للشكوى فقط، لأن الضحك مهم جدًا أيضًا.

 

نصائح لمواجهة الإنهاك بالعلاقات الإيجابية:

1- احرصي على تنمية أقرب العلاقات إليكِ:

مثل زوجك أو أصدقائك أو أطفالك أو زملاء العمل، بوضع ما ينهكك جانبًا وتقضية أوقات لطيفة معهم، ليس كل الوقت شكوى أو التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، بل التوازن جيّد.

 

2- قللي من الاحتكاك بمُصدّري الطاقة السلبية:

لأن قضاء الوقت مع من لا يفعلون شيئًا سوى التنقيب عن سبب للتعاسة سيسحبكِ لهذه البئر ولن تستطيعي الخروج منها بسهولة. إذا اضطررتِ للعمل مع شخص سلبي، حاولي تقليل الوقت الذي تقضينه معه. تذكّري مقولة السمكة الصفراء من فيلم “البحث عن نيمو” في نسخته المدبلجة: “هنموت كلنااااا”.

 

3- غيّري أسلوبك في العمل، لأن لدينا حياة واحدة فقط:

سواء أكان لديكِ وظيفة مرهِقة جدًا، أو مملة وغير مرضية، فإن أكثر طريقة فعّالة لمواجهتها هي الاستقالة والبحث عن أخرى أفضل. لكن هذا طبعًا ليس حلاً عمليًا للكثير منّا (يعني نشكر ربنا على الوظائف التي تساعدنا على دفع الفواتير والأقساط). لكن مهما كان الوضع، فهناك بعض الأشياء لجعل الحياة محتملة.

 

4- أدخلي التوازن في حياتك:

فلو كرهتِ وظيفتك، ابحثي عما يحقق لكِ السعادة: عائلتك أو أصدقائك أو هواياتك؟ ركّزي عليها، وتذكري فيلم “جولي وجوليا” حينما وجدت “جولي” سعادتها في الطبخ والتدوين عن الطبخ، وكل الأشياء الملوّنة المبهجة ورائعة الطعم أيضًا. 

 

5- احصلي على الكثير من النوم:

لأن الشعور بالتعب سيوّلد المزيد من التفكير غير العقلاني، ما يجعل الإنهاك يتعاظم حتى يبتلعكِ.

 

6- احشري الرياضة في يومك:

حتى لو كانت التمرينات الرياضية آخر شيء تتصورين فعله وأنتِ منهكة، فالحقيقة أنها مضاد قوي للضغوط العصبية والنفسية. لذلك، حاولي التريّض لـ30 دقيقة يوميًا أو أكثر، أو حتى قسِّمي هذه الفترة إلى 10 دقائق على 3 مرات، امشي أو اقفزي بالحبل أو ارقصي، أي شيء لدفع الدماء إلى الأطراف والحياة إلى القلب.

 

وتذكّري: في أثناء التمارين، بدلاً من التركيز على أفكارك وزيادة عصبيتك، حاولي التركيز على جسمك وحركاته. تصوّري قدميك وهما تضربان الأرض، العضلات وهي تتمايل أو تنقبض وترتخي…. إلخ، لأن حصر المخ في الأفكار السيئة فقط سيشلّ حركتك ويسارع تنفسّك بشكل يمنعكِ من الاستفادة من التمارين.

 

7- الأكل الصحي صديق جيّد لا ينبغي السخرية منه:

لمّا كان ما تضعينه في فمك يؤثر على مزاجك ومستوى الطاقة لديك، وجب التدقيق في الاختيار.. معروفة.

 

أ- فمثلًا قللي من السكريات والنشويات البسيطة، مثل أي شيء أبيض: المكرونة والأرز والبطاطس والخبز. قد تشتهين الحلويات أو الأطعمة السهلة مثل البطاطس المقلية (هناك خلايا في عقلي وبطني ستحتجّ حالًا وتقطع شعرها بسبب ما سأقوله) لكن الحقيقة أن هذه الأطعمة عالية الكاربوهيدرات ترفع المزاج سريعًا وتخسف به الأرض، سريعًا أيضًا.

ب- قللي من الكافيين والمقليات (الفراخ البانيه ستبكي حزنًا والله) والأطعمة المحفوظة أو المعدّلة هرمونيًا. 

ج- أكثري من السمك، مثل السالمون والماكريل والأنشوجة والسردين، مفيد جدًا لأنه يحتوي على أوميجا 3 الذي يحسّن المزاج، ويمكنكِ الحصول عليه من بذور الكتان والجوز والبيض واللحوم وفول الصويا واللوبيا.

د- تجنبي التدخين، حيث إنه من الشائع التفكير فيه كفِعل مهدئ، لكن النيكوتين في الحقيقة محفّز قوي للأعصاب ويؤدي لزيادة معدل التوتر.

وأخيرًا.. “لا تنسي سيدتي أن تنبطحي” على رأي د. أحمد خالد توفيق.

 

المصدر

المقالة السابقةسألقاك في بورتوفينو يا دكتور أحمد
المقالة القادمة7 خطوات سهلة للقضاء على الاكتئاب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا