هل لي بفرصة ثانية حتى أشبهني؟

966

قال جيم رون “إذا لم يعجبك مكانك قم بتغييره، أنت لست شجرة”.. ممتنة لهذه الكلمات، فأنا أشعر أنها كُتِبت لي.

مرت اليوم أول عشر سنوات لي من العمل المتواصل، بمعدل 8 ساعات يوميًا لمدة خمسة أيام في الأسبوع.. أتذكر أن أطول فترة انقطعت فيها عن العمل كانت بعد ما وضعت ابنتي “فريدة” وكانت لمدة ستة أشهر، لا تصلح أن تسمى أجازة بأي حال من الأحوال. أنظر إلى الوراء وأتذكر كم كنت صغيرة حين بدأت مشوار العمل، كلي حماس للإنجاز وللاستقلال المادي والمعنوي.

أذكر حين سألني أحدهم بعد أول شهر لي عن شعوري تجاه العمل، جاوبته “أنا مش ببقى عايزة أروح البيت، وكل يوم الصبح ببقى متحمسة جدًا وأنا رايحة الشغل” فأجابني في دهشة “يا بختك! ده إحساس حلو قوي!”، لم أفهم حينها رد فعله المبالغ فيه (كما رأيته حينها)، أليس كل من يعمل ويسعى لإثبات ذاته ويحصل على عائد مادي في النهاية يشاركني نفس الحماس والشعور المشبع بالإنجاز؟! أليس العمل نعمة من نعم الحياة؟!

مرت الشهور والسنين وأخذت معها انبهاري الأوَّلي بعالم الاستقلال والنضج، وبدأت أحن لطفولتي وحياة الانطلاق الخالية من الهموم والمسؤوليات. مرت خمس سنوات وأنا أتطور في عملي، فقد ترقيتت وزاد راتبي، ولكن هذا لم يمنع إحساسي بتشابه الأيام وتسلل الروتين إلى عالمي، ما أصابني بثقل مع بداية كل يوم جديد. وحتى أكون أكثر موضوعية عليَّ أن أعترف، أن مع مروري بلحظات من الفشل العميق هزت ثقتي في نفسي، فقد مررت أيضًا بمحطات التفوق والإنجاز أشبعت احتياجي للتقدير ولتحقيق الذات.

في السنة السادسة من حياتي العملية قررت أن أتوقف لأقيم ما سبق، فأنا لست سعيدة بعد، ولا مشبعة بدوري في خدمة العملاء، فهل خلقت وأعطيت من المواهب حتى أدفنها وأهلك طاقتي في وظيفة لا علاقة لها بي؟! هل يستحق المال كل هذه التضحية؟! هل أنا بالجرأة الكافية حتى أضحي بخبرتي المهنية، وإن كانت صغيرة، وأن أبدأ مع شغفي من الصفر؟! هل يصلح بعد التزامي بمسؤوليات الزواج، أن أجنب التفكير في المال؟ ماذا بعد أن أصبحت أمًا؟ هل يصلح أن أفكر في راحتي أنا وليس راحة ابنتي ومصلحتها؟

بدأت دوامة التساؤلات وظلت تصارعني لسنين، حتى يئست من إمكانية الخروج، ومع كل هذه الحيرة الخارجية لكني توصلت لقناعة داخلية مؤلمة ومغيرة في نفس الوقت، وهي أنني لم أعد أنتمي إلى ما أفعل مع الأسف، حياتي لم تعد تشبهني.

بعد هذه الاستنارة العقلية احتجت لأربع سنوات أخرى حتى أحدد شغفي وأخطو خطوات عملية تجاه ما وصلت إليه. في خلال شهور كنت قد خرجت من الصف وأصبح لديَّ عمل جديد يشبهني. لم يحدث هذا بين يوم وليلة، ولكنه تطلب مجهودًا ومساندة ممن حولي، وأيضًا ضمانات، فأنا لم أجرؤ على القفز في الظلام الحالك، فقد قفزت ساعة الغروب وانا أرى بصيص نور يطمئنني.

بالرغم من نقصان دخلي المادي الآن لكن إقبالي على الحياة زاد، وصارت لي طرق جديدة في الاستمتاع، فأنا اكتشف حبي للرسم والكروشيه وأحيانًا للمطبخ.

ممتنة للحياة على فرصتي الثانية، ومتشوقة لفرص جديدة آتية تزيدني شبهًا بنفسي.

المقالة السابقةالاكتئاب مبيتمعلش
المقالة القادمةأفلام تجعلك تعيد النظر في شكل حياتك

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا