هذا هو الحب

993

 

بقلم/ هبة عارف

 

اليوم قررتُ أن أكتُب مُذكراتي، ليكون كشكولي هذا هو المكان الذي أشكو فيه ما بي وأكتُب ما لا أستطيع أن أبوح به لحبيبي الذي غاب عني وأهملني، حتى ذبلت زهرة حبي له مع الأيام. فالحب مثل الزرع يحتاج دائمًا لمن يرعاه، فمهما كانت البذور جيدة والتربة خصبة، فإن إهماله لا ينمو بثمار، وهذا ما حدث معي.

 

أنا “أميرة” تزوجت من حبيبي “حسن” عن قصة حب كان يتحاكى بها أصدقائي وأقاربي، وكل من يراني مع حبيبي كان يشعُر بهذا الحب الذي يجمعنا معًا، ومضت أيام الخطوبة الجميلة التي كُنت أشتاقُ فيها لحبيبي بعد كل لقاء أكثر من اللقاء الذي يسبقه، وهو كان يُبادلني ذلك الشوق، فكان بعد انتهاء لقائي به لا يتركني وحيدة، وإنما كان يؤنسني بصوته على الهاتف حتى أذهب في النوم لكي أراه في أحلامي، فتعودتُ على قُربُه مني.

 

إلى أن حان موعد الزواج، فكان قلبي يرقص من الفرحة وتزداد نبضات قلبي، فكم اشتقتُ إلى هذا اليوم لأكون بجانب حبيبي دائمًا، وأما عن يوم الزفاف فكان من أسعد أيام حياتي على الإطلاق، فكان أكثر مما تمنيته في أحلامي، فقد حقق “حسن” كل ما طلبته وأكثر، المكان كان مليئًا بالورود والأضواء الساطعة، وكأنها ياقوت يلمع في سماء القاعة، وردائي الأبيض والطرحة والتاج الذي كان يُزين رأسي وقُبلة زوجي على جبهتي، وهو يضُم يدي بيده ويُعاملني مثل الأميرة. نعم فإنه كان دائمًا يقول لي “أنتِ أميرتي” وهمسه بكلمات الحب في أُذني ونحن نرقص معًا.

تعرفي على: قواعد الحب العشرة بين المحبين

كل ذلك مر كالحُلم الجميل، وكل ذلك أصبح ذكرى مع الأيام، فبعد الزواج بقليل حملتُ وأنجبتُ أول طفل يجمع بيني وبين “حسن”، وسميناه “عمر”، وبوجوده اكتملت سعادتنا، وكانت الحياة هادئة وممتعة في نفس الوقت.

 

واستمرت الحال كما هي. إلى أن أنجبتُ الطفل الثاني “أحمد”، فتغيرت الحال، فزادت المسؤولية على “حسن”، مما اضطره للعمل فترة مسائية، فكان يمكث خارج البيت طوال اليوم ويأتي ليلاً فيتناول العشاء وينام من الإرهاق. حاولت التعود على هذا الوضع وتفهُّم ثقل المسؤولية التي تقع على عاتقه، فأنا لا أعمل والعبء كله عليه.

 

ولكن مع الوقت شعرت بالملل والروتين والإحباط، فـ”حسن” كان لا يتحدث معي إلا فيما يخص شؤون البيت والولدين والأمور المادية، وذلك غير المُعاناة مع الولدين وتربيتهما. ومرت خمس سنوات ونحن على نفس الوضع ولا جديد في حياتنا، حتى جاء يوم وفاض الكيل بي وواجهته بإهماله لي.

 

أميرة: حسن إنت خلاص مبقيتش بتقعد معانا خالص، حتى يوم الأجازة يا إما مع صحابك أو بتبقى نايم نص اليوم والنص التاني بتتفرج على التليفزيون. أنا زهقت، أنا حاسة إني لوحدي مع العيال وكل مسؤوليتهم عليَّ.

 

حسن: وأنا أعمل إيه؟! ما أنا طول اليوم بشتغل عشان أقدر أكفي مصاريف البيت والولاد، مش بمزاجي، وكمان عايزاني يوم الأجازة معملش الحاجه اللي بحبها!

 

أميرة: وإحنا ليه منكونش الحاجة اللي بتحبها عشان نكون مع بعض في الأجازة؟! ده حقنا عليك. إنت زوج وأب مش بنك فلوس، وأنا والولاد محتاجين اهتمام منك وإننا نحس إنك بتشاركنا في كل حاجة، مش بالفلوس وبس. حسن إنت اتغيرت أنا مش شايفة قدامي حسن اللي حبيته زمان.

 

حسن: أنا آسف. متزعليش يا ستي. خلاص الأجازة اللي جاية هنقضيها مع بعض.

 

أميرة: إنت مبقيتش تحس بيَّ زي زمان.

حسن: متقوليش كده ده إنتي أميرتي.

أميرة: ياه! بقالي كتير مسمعتش الكلمة دي منك!

ويُقبلني في يدي لكي أسامحه، فيرق قلبي له، فإن كُنت أنا أميرته فهو فارسي الذي لا أستطيع الحياة بدونه.

 

وبالفعل قضى “حسن” إجازته معنا ونحن في غاية السعادة، ولكن الأمر لم يدُم طويلاً، فبعد شهرين رجع الوضع كما كان عليه سابقًا، ورجع الملل يتسلل لحياتي ثانيًا، وبدأت الخلافات بيني وبينه على أصغر الأشياء، وكأني أفتعل المشاجرات، وذلك بسبب كرامتي التي تمنعني أن أطلب الاهتمام ثانية من “حسن”.

 

ومع الوقت فقدتُ الأمل في زوجي العزيز أن يعود كما كان قبل الزواج، وتملكني الروتين اليومي، واستسلمتُ للواقع، وحاولت أن أتعايش معه، واقتنعت بأن الخطوبة السعيدة ليست مقياسًا للزواج السعيد.

 

واستمرت الحياة إلى أن حدث ما لم أتوقعه، كنت أشكو بألم في بطني، وذهبت للطبيب وطلب مني أشعة وتحاليل وأجريتها، وطلبتُ من “حسن” استلامها، لأن “عُمر” كان لديه تمرين، وعندما عُدت للمنزل وجدتُه.

 

أميرة: إيه ده؟ إنت رجعت بدري ليه انهارده؟!

حسن: عادي.. حسيت إني عايز أرتاح شوية.

أميرة: ماشي. استلمت التحاليل والأشعة؟

حسن: آه وحجزت عند الدكتور وهنروح بكرة.

أميرة: لا بكرة مش هينفع؛ عُمر عنده تدريب تاني عشان مسابقة السباحة قربت.

حسن بعصبية: لأ مفيش تدريب، أنا قولت هنروح للدكتور.

أميرة: إنت بتتعصب ليه؟! مش هيحصل حاجة لو أجلت الدكتور يوم.

حسن: أنا قولت لأ ومفيش تأجيل.

أميرة: هو فيه إيه؟ التحاليل والأشعة فيهم حاجة خطيرة؟

حسن: الدكتور هو اللي هيقول فيهم إيه.

أميرة: خلاص حاضر.

 

لم أعرف وقتها أشعُر بالخوف على نفسي أم أفرح بخوف “حسن” عليّ. وذهبنا للطبيب، وكانت الصدمة.. أخبرنا بضرورة إجراء عمليه لاستئصال ورم بالقولون.

 

علمتُ حينها سبب إصرار “حسن” على عدم التأجيل، وحدد الطبيب يوم إجراء العملية، ومر يومان وأنا إحساسي بالخوف يزيد على ابنَي ومن المرض، لكن وجود “حسن” بجانبي كان هو منبع الأمان والطمأنينة لي. وجاء يوم إجراء العملية، وذهبتُ مع حبيبي للمشفى، وعلى قدر قلقي هذا اليوم إلا أنني كُنت أرى أكثر منه في عين “حسن”، وتركته وهو يُقبل يدي على باب غرفة العمليات، والحمد لله تمت العملية وخرجتُ من المشفى وعُدت للمنزل.

 

ومرت أيام لم يفارقني “حسن” فيها لحظة، حتى استرددتُ صحتي.

واليوم قررتُ أن أتوقف عن كتابة مذكراتي، لأن السبب الذي دعاني لها رحل، لأني تأكدتُ أن الحب الحقيقي التعبيرعنه ليس فقط بعذب الكلام، وإنما الأفعال والمواقف هي التي تُثبت وتقوي هذا الحب. وإن قلَّ الكلام تبقى الأفعال شاهدًا على أن “هذا هو الحُب”.

 

حسن: إنتي بتعملي إيه؟

أميرة: مفيش.

حسن: هاتي أشوف بتكتبي إيه.

 

وانتظرتُ حتى ينتهي من القراءة وأنا أنظر لملامحه وهي تتغير من غضب لفرح، حتى انتهى ونظر لي قائلاً:

أميرة: أنا آسفة لو لاقيت في كلامي حاجة تزعلك مني.

حسن: أنا عُمري ما أزعل منك، بس هزعل لو وقفتي المذكرات.

أميرة: يعني إيه؟

حسن: أنا عايزك زى ما كُنتي بتكتبي اللي بيضايقك فيها، تكتبي كمان اللي بيفرحك، وأنا متأكد إن شاء الله كل اللي جاي هيبقى فرح وبس يا أميرتي.

 

ويظل الحب الحقيقي في القلب بعد الزواج، ولكن قد يستتر وراء ضغوط الحياة، فعلينا ألا نستسلم ونزيل غبار الضغوط من عليه، لكي يلمع كما كان قبل الزواج.

 

بعد الجواز.. الحب بيروح ولا بيزيد؟

 

المقالة السابقةمفترق الطرق
المقالة القادمةما هو الخذلان في الحب؟ وكيف يمكنك تخطي الخذلان من الحبيب
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا