ها أنت تأتي يا صغير: رسالة إلى صغيري أجمل كلام عن طفل صغير

3954

كنت دومًا من مريدي “أنغام” بأغانيها الدافئة الشاعرية، إلا أغنية واحدة، هي “عمري معاك”، فكليب الأغنية بكل طاقة الحب التي تبثها موجهة لطفل صغير فقط، بينما يرى عقلي استحالة أن أُكن كل طاقة الحب تلك بداخلي سوى لفارس الأحلام وحبيب القلب الذي سيأخذني على حصان أبيض.

ظل ذلك الاعتقاد بداخلي لسنوات، أن “أنغام” أخطأت عندما صورت الكليب بتلك الطريقة. ثم سمعت الأغنية مؤخرًا مصادفة، بينما أجري وراء طفلي الصغير من أجل إطعامه وإعطائه الدواء في أرجاء شقتي الصغيرة، وقتها أدركت مدى حمق أفكاري، فكلمات الأغنية هي أقل وصف لمشاعري تجاه صغيري، ومشاعر الأمومة بداخلي التي باتت تنبت بداخلي لأول مرة كشجرة أستظل بها من قسوة الحياة.

تعرفي على: ما هي مسئوولية الأم في التربية، هل تربية الأبناء مسئوولية الأم فقط

“إنت الفرحة اللي بعيش بيها عمري معاك، ياه يا اللي عيونك دول حكاياتي، خدني مني يا كل حياتي، خدني أعيشلك أجمل آتي عمري معاك”.

ها أنت تأتي يا صغير، فتسقيني معنى الأمومة لأول مرة رشفة رشفة، تملأ الدنيا من حولي ضجيجًا وصخبًا بنوبات بكاء تحاول اكتشاف العالم، وفوضى تدمر أي نظام أحاول الالتزام به، ولكن صدِّق أو لا تصدق هو ضجيج مريح للأذن، وصخب ذو نغمات عذبة. صار أحب إليَّ من أجمل سيمفونيات العالم أجمع، وفوضى محببة.

ها أنت تأتي فتعود أنفاس الحياة لأحلامي من جديد، أشعر بنبضاتها تملأ فراغات عقلي وروحي ببطء لذيذ، فقط عندما أستمع إلى نبضاتك الصغيرة، لا أصدق، فقد كانت أحلامي تحتضر، ولكنها الآن حية، بل أصبحت أحلامًا ملونة بعد أن كانت جل أحلامي رمادية.

ها أنت تأتي، فأؤمن بأن المعجزات السماوية لم تنتهِ بعد، بشائرها تبدأ من داخل غرفة عمليات في مستشفى قاهري، عندما أحتضنك وأنت مغمض العينين، لا تدري عن الوجود شيئًا، بينما أنا تحت تأثير المخدر، ويداك الصغيرتان على رأسي، فأبكي كثيرًا حزنًا وفرحًا وشوقًا وأملاً.

تعرفي على: أهم نصائح تربية الأبناء للوالدين، تربية الأبناء تربية صحيحة

أبكي حزنًا، فقد افترقنا بعد أن كنا توأمين نتشارك كل شيء معًا، نأكل نفس الطعام، نشعر نفس المشاعر، نسمع نفس الأصوات، ننام ونستيقظ في نفس الوقت، وأبكي فرحًا بوجودك في الحياة الذي حلمت به دومًا، وأملاً بأن تصبح يومًا ما صديقي.

ها أنت تأتي يا صغير، فأتغير تمامًا، أصير امرأة أخرى قد تكون ملامحها هي نفسها، ولكن بروح جديدة نفخها في الخالق، ونفس مختلفة تدب في أنحاء جسدي الصغير، فتتقبل ما لم أتصور أنني سأتقبله في الحياة، وتتعلم ما كنت أرفض تعلمه دومًا، وأفهم أهم معنى من معاني الحياة، هو الأمومة، لأول مرة، وأنها ليست مجرد لقب، بل حياة أخرى يمنحها الخالق للمرأة، تصنع فيها ما يعجز عنه أعتى الرجال، والفضل في ذلك لكائن صغير لا يتعدى طوله سنتيمرات! لا أخجل أن أقول إنني تعلمت منه الكثير.

تعلمت من أمومتي معك يا “حازم” دروسًا لأول مرة هذا العام

أن أزرع قلبًا جديدًا بداخلي: بوجودك يا صغير قمت بعملية جراحية تخلصت فيها من قلبي القديم الذي كان كالشجرة الذابلة شاخ قبل الأوان من شدة الآلام، والتي رآها والحزن الذي سكن بداخله غصبًا، فكنت أنتظر فنائي بسببه، لكن ميلادك الذي أعطاني سببًا جديدًا للحياة، ساعدني على زرع قلب جديد يسامح بسرعة الأذى، قادر على الابتسام والضحك من جديد.

أفعل ما أريده حقًا دون الاهتمام بكلام الآخرين: وأنا أراك تحبو نحو تلك اللعبة، تلعب بها دقائق ثم تكتفي، فتتجه إلى لعبة أخرى دون خوف أو قلق، وأنا أراك تعبر عن مشاعرك الطبيعية في أي وقت شئت، علمني ذلك أن المنطق الطفولي هو منطق الفطرة الذي يجب أن تسير به الحياة، بلا تعقيدات صنعها الكبار للسيطرة أو للشعور بالتفوق. أن أستمع لنداء قلبي وأنفذ ما أرغب فيه حقًا ولا أتجاهله بحجة أنني كبيرة أو عاقلة.

أن أتعلم العطاء: هل كنت أنانية قبل مولدك بعض الشيء؟ هذا صحيح، كان الشعور بغيري نوعًا من الرفاهية، ولكن الآن صار قلبي كما قال منير “مساكن شعبية”، أحيانًا يشعر بمن حوله غصبًا، وأحاول مساعدتهم بشتى الطرق، وأنت السبب يا صغير.

أن أتحمل المسؤولية وحدي دون خوف: قرار الحمل والولادة من القرارات الصعبة على المرأة، وإن بدا سهلاً للجميع، فوجود طفل وتحمل مسؤوليته من الولادة حتى النضوج أمر يشبه أن تتنازل عن حريتك دون رجعة، كما قالت إليزابيث جليبرت في كتاب “طعام.. صلاة.. حب”، “إنجاب طفل هو أشبه برسم وشم على الوجه إلى الأبد”.

أن الحياة أولويات، وأن السعادة فيها هي الأولوية الأولى دومًا التي يجب أن نبحث عنها، وأن السعادة قد تكون بأبسط الأشياء وليس أغلاها، على سبيل المثال إضحاك طفل صغير يبكي.

أن أكون قادرة على الحب من جديد، وهو شعور كنت قد نسيته أنا وقلبي لسنوات.

أن يسع قلبي الجميع، أن ألتمس العذر للآخرين، أن أحبهم كما هم، لم أفعل ذلك إلا بعد أن منحتني قلبًا جديدًا، تتربع فيه أنت.

الأمومة -لأول مرة- مثل محيط عميق كلما تبحرنا فيه وجدنا دروسًا وعبرًا لا يمكن أن نحصيها، نستطيع أن نملأ بها مئات الكتب والمجلدات. لذا كل ما أتمناه يا صغيري أن يعطيني الله عمرًا كي أعلمك دروسًا قيمة، كالتي تعلمتها منك ببساطة خلال رحلتي الأولى في الأمومة.

المقالة السابقةالأول مرة
المقالة القادمةعامي في أغنية
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا