نعم.. أحب نفسي

1930

 

بقلم/ هند عزت

 

منذ نعومة أظافري.. تعلمت أن من يحب نفسه هو شخص أناني بغيض لا يبالي للآخرين، كذلك هو شخص مكروه، فكيف لشخص أن يتجرأ على حب نفسه؟! لم أرد أن أكون موصومة بحب النفس.

في عالم الصغار من يتجرأ على الاحتفاظ بلعبة أو طعام لنفسه تُسارِع الأمهات بالاتهام المعروف “أنت تحب نفسك.. هيا اعطِ أولاد خالتك وعمومتك”. عزز هذا بداخلي فكرة أن حب النفس وصمة لا بد أن أسعى بكل الطرق أن أنفيها، لا بد من العطاء السخي ولو كان على حساب كل احتياجاتي. تدريجيًا أصبح الطبيعي هو الالتفات لرغبات الآخرين فقط.

 

في مراهقتي.. عندما تكرر على سمعي في الأفلام جملة “أحبك أكثر من نفسي”، تساءلت: هل حب النفس قوي لهذه الدرجة؟! هل هو شيء غريزي أم نتعلمه؟ ولماذا نجعله مقياسًا لقوة مشاعرنا لو كان خطيئة؟! ومع زيادة الوعي الديني زادت التساؤلات: لماذا يحاسبنا الله عن أنفسنا أولاً إذا كان تلبية احتياجاتها خطيئة؟ لكن دعم المحيطين بي لكوني الفتاة المثالية التي تؤثر الآخرين على نفسها جعلني فخورة بتنحية نفسي عن كل شيء.

 

صرت شابة.. وبداخلي توق رهيب أن يحبني الآخرون لذاتي، فطالما شعرت أنني محبوبة لكوني أعطي فقط، لا لكوني أتمتع بشخصية رائعة.

 

عندما انتقلت لسوق العمل.. كنت مادة خصبة للاستغلال، فأنا الموظف المثالي الذي يتفانى في إعطاء كل وقته ومجهوده للعمل. ولائي وتضحياتي للشركة على حساب صحتي وراحتي. لا بد للعمل أن ينجز على أكمل وجه، فأنا جزء من كيان الآن وبداخلي قدرة عطائية كبيرة، فلا بد أن أستنزف آخر قطرة من أفكاري وأعصابي حتى أكون جديرة بهذا العمل.

 

عندما بلغت الثامنة والعشرين من عمري.. قررت الذهاب إلى طبيب نفسي، بدأت رحلة طويلة بحق، فلمدة عامين لم أكن مقتنعة أنني جديرة بالحب من الأساس، لكن معالجي كان قديرًا وصبورًا، فقدم لي الفتاة التي بداخلي كي أتعرف عليها، وعلمت للمرة الأولى أن لها الحق تأخذ دون الشعور بالخجل والأنانية، وخطوت للعالم وأنا أوطد علاقتي بنفسي، وأراها لأول مرة فتاة رائعة.

 

أثناء ذلك التقيت شريك حياتي وعمري، وكلما أحببته أكثر زادت رغبتي في العلاج، لكن في وسط رحلتي فقدت معالجي، وأنا أدعو الله أن يغمره برحمته الواسعة.

 

بعد ذلك سقطت في دوامة الحمل والأمومة.. تعثرت مرة أخرى وفقدت خيوطًا كثيرة ضاعت من يدي ببساطة، وأنا أمسك بيد توأمَي الصغيرتين. ومع ضغط من حولي أن الأمومة هي إنكار الذات، وأن الشعور بالتعب خطيئة، وأن الرغبة في النوم لدرجة الإغماء بعد استيقاظ ثلاث ليال متواصلة أنانية، وأن رغبتي في الحصول على وجبة أكملها دون الشعور بالذنب نابع من استهتاري، وأن عدم قدرتي على إرضاع طفلين في ذات الوقت انعدام كفاءة.

 

تكاتف الآخرون لسقوطي إلا زوجي، فكان دائم الدعم، فشجعني على العثور على معالج آخر، وساعدني الله أن أجد معالجتي الحالية التي أحمده عليها. على مدار فترة علاجي تعلمت أن الأم التي لا تأخذ حقوقها لن تقدم لأطفالها سوى الأمراض النفسية، وأن المثالية وهم، وأهم شيء تعلمته هو أن أتقبل أخطائي حتى أستطيع أن أتقبل أخطاءهم، وكي يستطيعوا هم أن يتقبلوا أخطاء الغير، وأن واجبي الحقيقي أن أتقبل أبنائي كيفما كانوا، وأن محاولة تشكيل أبنائنا كي يكونوا مثاليين جريمة، وأن حبهم لنفسهم ليس بجريمة، فأسكب بداخل أذنهم الصغيرة كلمات الحب دائمًا وأخبرهم كم هم رائعون، فقمة سعادتي أن أجدهم يردون بثقة على جدهم عندما يتفوَّه بشيء لا يعجبهم، “أنا حلو يا جدو” كناية عن ثقتهم في أنهم رائعون.

 

اليوم أعلن عن جريمتي بسعادة.. أنا أحب نفسي وفخورة بها، وأدعو كل من فقد إيمانه بنفسه أن يبحث عنه من جديد. فالذي خلق هذا الكون الشاسع لن يسألك عن نفسك قبل أي شيء، إلا لأنها أهم منحة أعطاها لك.

حافظوا على حبكم لأنفسكم وسط عثرات الحياة، فكثير من الأحيان يكون المفتاح هو حب النفس.

 

كل من فقد إيمانه بنفسه يبحث من جديد

 

المقالة السابقة7 نصائح للتعامل مع الوحش اللي في حياتك؟
المقالة القادمةالأراجوز المصري: تاريخ فن الأراجوز في مصر وعرائس الأطفال
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا