في الأفلام القديمة كان من المعتاد أن نسمع عن فكرة الأسرة المحرومة من الأبناء، التي تتبنى طفلاً يتيمًا، ويصبح هذا الأمر سرًّا كبيرًا في حياة الأسرة والطفل، ويصبح وسيلة للتهديد بالفضيحة إذا ما انكشف هذا الأمر للمحيطين بتلك الأسرة، وفي العصر الحالي وبعد تجريم فعل التبني في مصر، ظهر مصطلح آخر، هو "كفالة اليتيم"، فكفالة طفل يتيم والإنفاق عليه مع الإبقاء عليه في دار للأيتام أصبحت فكرة مستساغة ومنتشرة للغاية.
لكن هذه الفكرة -للأسف- لم تجعل حاجة البعض لوجود هذا الطفل معهم كجزء من أسرتهم تنتفي كليًا، فليس في كل الأحوال ما يحتاجه الطفل هو فقط الإنفاق عليه من أجل إطعامه وعلاجه، فوجود أسرة مستعدة لاستضافة الطفل كفرد من أفرادها بشكل دائم هو أمر يحتاجه أي طفل فقد والديه لأي سبب من الأسباب. كما يحتاجه بالضرورة وبنفس الدرجة أحيانًا كل زوجين لم يرزقا بأطفال.
وفي السنوات الأخيرة أصبحت فكرة كفالة الطفل في منزل الأسرة فكرة مقبولة، حلت محل فكرة التبني القديمة، والفارق بينهما أن الأولى لا تجعل الأسرة تمنح اسمها للطفل تجنُّبًا لاختلاط الأنساب.
لكن هذا القرارليس بالأمر الهيّن، فالاستقرار عليه خطوة تحتاج لوقت ليس بالقصير لحسمها، والإقدام على هذا الأمر الفارق في حياة كل زوجين.
وأهم حقيقة يجب أن يضعها أي شخص يُقدِم على هذه الخطوة، هي أن قرار التكفل بطفل في منزل الأسرة هو قرار لا يمكن التراجع فيه، فليس من المنطقي أن يتخلى الأبوان عن طفلهما هذا في حال أن رزقهما الله بطفل بيولوجي، فالأمر في هذه الحالة يصبح مُدمَّرًا بالنسبة لنفسية الطفل المكفول.
لكن هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ بالطبع لا، فالأمر يحتاج لفترة ترتيب واستعداد من جانب الزوجين، سواء على مستوى الاستعدادات المادية أو النفسية والاجتماعية، أو على مستوى إعداد الطفل نفسه للانتقال لهذا البيت الجديد، والذي قد يبدو بالطبع مكانًا أفضل من أي دور للرعاية، لكنه مع ذلك يظل مكانًا جديدًا يحتاج الطفل للتأقلم عليه، حتى لا يتعرض لاضطرابات نفسية، خصوصًا إذا كنا نتحدث عن طفل واعٍ تخطى مرحلة الطفولة المبكرة.
والخطوة الأولى لجعل هذا التأقلم يأتي بشكل سريع ودون تحميل الطفل أعباء نفسية هو في غنى عنها، هي معرفة كل ما يتعلق بالطفل ذاته، شخصيته، هواياته، مستواه التعليمي، تفضيلاته فيما يتعلق بطريقة الدراسة أو تمضية أوقات فراغه، سماته الشخصية والأمور التي يكرهها أو يحبها، أي باختصار معرفة هذا الطفل على جميع المستويات.
ومن الأشياء التي لا غنى عنها لجعل حالة التأقلم أكثر سلاسة، هي ضرورة
التعرف على البيئة التي اعتاد الطفل أن يحيا فيها قبل انتقاله لمنزل الأسرة، حيث يشير الخبراء إلى أهمية معرفة أدق التفاصيل عن هذه البيئة، بداية من الأشخاص الذين اعتاد الطفل الوجود معهم ومخالطتهم، وكذلك نمط المعيشة والقواعد التي تحكم المكان الذي ينتمي إليه هذا الطفل، وصولاً لتفاصيل صغيرة لكنها مهمة للغاية، مثل مواعيد نوم الطفل وروتين ما قبل النوم بالنسبة له.
ولا يغفل الخبراء أهمية البيئة المحيطة بالزوجين نفسيهما في جعل عملية انتقال الطفل لبيته الجديد أكثر سهولة، فمن الضروري تجهيز البيت على المستوى المادي لاستقبال الطفل وفقًا للمرحلة العمرية التي ينتمي إليها.
كما أن من الضروري تهيئة المحيطين بالأسرة لذلك، أي على مستوى الأقارب أو الأصدقاء. فمن المهم أن يستقبل هؤلاء الطفل بطريقة لائقة وهادئة في نفس الوقت، فالترحاب الشديد والفضول في التعرف على الطفل والحديث معه بشكل مبالغ فيه أو مصطنع له ضرر كبير، ولا يقل عنه أيضًا الضرر الناتج عن تجاهل الطفل أو النظر إليه بريبة أو اعتباره ضيفًا ثقيلاً لم يعتد الكل وجوده في حياة الزوجين.
ولا يجب أن ينسى الزوجان أن حياتهما بوجود الطفل الجديد حتمًا ستصبح مختلفة عن حياتهما السابقة، سواء في نمط المعيشة أو سهولة القدرة على الحركة أو السفر، وغيرها من القرارات التي قد تمس الطفل بشكل مباشر أو غير مباشر. وإذا كان إنجاب طفل جديد في أسرة ما يتطلب استعدادات كثيرة، إلا أن الطبيعة تساعد على إيجاد وقت لتلك الاستعدادات سواء على المستوى المادي أو المعنوي، بوجود أشهر الحمل وترقب وصول المولود الجديد، وما يستتبع ذلك من وجود حالة من السعادة في محيط العائلة بسبب قرب وصول فرد جديد مُرحب به عادة، وذلك على عكس الوضع عند قرار كفالة طفل يتيم، فالأمر قد يحتاج أحيانًا لمجهود إضافي للاستعداد لهذا التغيير الكبير في حياة كل من العائلة والطفل ذاته، وكذلك لحث المحيطين على تقبُّل الفكرة ودعمها، خصوصًا إذا كان بعضهم لا يعتبر هذا حدثًا سعيدًا، مما قد يشكل ضغطًا نفسيًا، ليس على الطفل فقط بل على الزوجين أيضًا.
والفكرة المهمة في هذا الصدد، هي أن ما يربط الطفل البيولوجي بوالديه الحقيقيين يتعدى مجرد اشتراكهم في جينات وصفات وراثية واحدة، لأن معظم الروابط العميقة بين الوالد وابنه يكون منبعها المعايشة اليومية بينهما، مما يجعل المهمة أكثر صعوبة بالنسبة للطفل المستضاف وكفالته، لذلك من المهم للأسرة تعويض غياب هذه الروابط التي كان مفترضًا أن تنشأ داخل الأسرة يومًا بعد يوم، مما يتطلب مجهودًا أكبر من الوالدين.
وينصح خبراء علم النفس ألا يتعجَّل الآباء في طرح السؤال الصعب على أنفسهم، ألا وهو "هل أحب ابني الجديد؟ وهل هو يحبني كذلك؟".
فعلاقة الطفل بأسرته الجديدة تحتاج وقتًا مثلها في ذلك مثل كل العلاقات الأخرى، وتحتاج استثمارًا في الجهد والطاقة لتنميتها بشكل صحيح وبالتدريج.
ويجب أن يتذكر الآباء أن علاقتهم بأبنائهم الطبيعيين أيضًا تحتاج للكثير من المجهود الدائم لاستمرارها بشكل جيد، وبالتالي فليس غريبًا أن تحتاج العلاقة مع الطفل المكفول مجهودًا مضاعفًا أحيانًا، لذلك لا داعٍ لجلد الذات أو الشعور بالذنب إذا ما شعرت الأم أنها لا تحب ابنها هذا بالدرجة الكافية، فهذا لا يعني أن قرار التبني كان خاطئًا، بل فقط يحتاج لبعض الوقت لتصبح الأمور جيدة ومُرضية لكل الأطراف.
وكلمة أخيرة للأمهات والآباء.. إن الشعور بالذنب تجاه الطفل المتبنَّى هو شعور غير مفيد على الإطلاق، سواء له أو لعلاقته بأسرته الجديدة، فهذا الطفل مثله مثل أي طفل آخر، يحتاج للحسم والحزم في التربية، كما يحتاج للعطف والحنان. وتعويضه عن قسوة الحياة السابقة لا تعني أبدًا تركه دون حدود معقولة متفق عليها تحكم تصرفاته داخل وخارج إطار المنزل، ومن المهم أن تكون هذه الحدود أو القواعد الأخلاقية واضحة ومحددة منذ اليوم الأول لوصول الطفل إلى منزله الجديد.