في عيد ميلادي الثلاثين ماذا تعلمت في تلك الرحلة! محاولات في مواجهة الثلاثين

9711

على صفحات الفيسبوك تطاردني كتابات عن هول الحياة بعد سن الثلاثين، وصعوبة الحياة بعدها بأعباء المسؤوليات وتكرار الفراق ومشاهد الوداع وحمل البيوت فوق أكتافنا. ربما تتكرر مثل تلك الكتابات بفعل قانون الجذب لكوني وقتها في وداع العشرينيات، ربما عقلي الباطن كان منشغلاً بالأمر.

ومع بداية كل ديسمبر بأشجانه وتشبُّث أجندته بنا، فلا يبرح يودعنا إلا بمزيد من الحوادث والأوجاع، لكن على المستوى الشخصي، فهذا الديسمبر يختلف عن كل الديسمبرات السابقة، فمع بداية هذا الديسمبر بدأتُ العد التنازلي، والليلة بعد الكثير من كتم الأنفاس والترقُّب، حلَّت ساعة الصفر.. الليلة.. وقت كتابة تلك السطور.. أتتمت الثلاثين.

أول شعرة بيضاء

قبل أيام قليلة استقبلت في رأسي أول شعرة بيضاء، لم يمس الحدث قلبي بأي سوء كما تصورت أن يحدث، وكما أخبرونا عن إحساس العجز وبداية النهاية ورؤية الأيام التي تنفلت دون إنجاز أو راحة.

ولما لم يَصدُق ما قيل عن أول شعرة بيضاء، بالتالي لن يصدق ما قيل عن الثلاثين.

تعرفي على: السمار نصف الجمال: اسرار جمال البنت السمراء

ليلة عيد ميلادي

في هذا الديسمبر، وفي استقبال الثلاثين، ومع دقات الساعة 12، استبدلت مكالمات الأصدقاء والصديقات في السنوات السابقة بمكالمة وحيدة من حماتي.. حماتي.. حماتي؟! متى حدث هذا؟!

يبدو أن في الثلاثين طبيعي جدًا أن يكون لكِ حماة، نعم، ها أنا أقولها، “وإنتي طيبة يا حماتي”! بعدها قضيت الليلة في تنويم الصغيرة على مدار ساعتين متواصلتين وتخمين سبب قلقها وتجريب كل ما قد يكون حلاً.

أنسحب أخيرًا من جوارها لأدوِّن مذكرات الليلة، وأنتظر المعايدات والرسائل على الفيسبوك، لكن لا معايدات.. خالص.. الخامسة فجرًا ولا نوتيفيكيشن يتيم بمعايدة واحدة

ها أنا فتاة الفيسبوك والمستشار العاطفي للفتيات وبئر أسرار المحزونين وضحايا الخيانات وملجأ البائسين على أرصفة الوعود المهدرة، كل تلك الصفات اللوذعية وكل هؤلاء الناس كانوا في أعياد ميلاد سابقة

أما في الثلاثين فالرفاق يتساقطون، إن لم يُذكِّرنا الفيسبوك بأعياد ميلاد بعضنا بعض لا نتذكر. أنا شخصيًا في آخر سنتين من حياتي لم أذكر أيًا من أعياد الميلاد التي كنت أستعد لها بهدايا في السابق.

تعرفي على: 7 نصائح للتعامل مع الوحش اللي في حياتك؟

أصدقاء الشباب

في الثلاثين الصديقات اللاتي دونتِ معهن أحلام العمر اختفين، ربما اعتبرن أن زواجك وربطك في البيت بالعيال وشغل البيت كان خيانة لعهد الصداقة بينكن، فلم تذكرن اليوم؟!

صديقتك الأكبر لن تتفهم حداثة عهدك بالثلاثين، فلا تعايد هي الأخرى، إنما تذاكر لأطفالها الآن، فلا عيد ميلاد يهم ولا مناسبة تنتبه لها؛ هناك جدول ضرب يجب حفظه وباست سيمبل تينس وأسماء الإشارة، عيد ميلاد إيه ما بييجي كل سنة!

وصديقك الذي أعزَّك كأخت له لن يستطيع المعايدة لأنه نام مبكرًا ليلحق موعد الدوام حتى لا يخصم منه بضع دولارات، فليذهب عيد ميلادك إلى الجحيم، إنتي عارفة الدولار بقى بكام؟!

أفتح الفيسبوك مرة أخرى علّ أحدهم تذكر.. لا أحد، في الثلاثين الرفاق يتساقطون، غدرًا أو قدرًا هم يتساقطون.

تعرفي على: كيف اتخلص من الكتمان ومشاعر الحزن؟

هديتي

أعقد العزم على ألا أقع في دائرة الحزن في مثل هذا اليوم، سأصحو باكرًا وأخترع خروجة وآتي لنفسي بهدية تناسب امرأة تتشبث بالفرح بأطراف أظافرها قبل أن تسقط بالكامل في معترك شغل البيت وتربية الولاد، أو بالأصح قبل أن تقع في الولا حاجة.

غدًا أدخل السينما وأعزم نفسي على غداء معتبر وأشتري حلق الأنف الذي طالما حلمت به، أحسن دلوقتي؟ تمام؟ هكذا نقابل أحزاننا.هكذا نتعايش مع الوحدة.

آخر أيام العشرين وأول أيام الثلاثين

أفتح مجددًا الفيسبوك وأقرأ معايدات الأصدقاء في السنوات السابقة، أين ذهب كل هؤلاء؟ ما زالوا أحياء يرزقون، لكنهم إما تجاوزوا الثلاثين فنسوا، أو لم يصلوا إليها فنسوا امرأة مثلي اليوم يتم تشبُّعها بروح الثلاثين، في كل الأحوال النسيان وحده يحتفل معنا.

أغلق الفيس وأغلق صفحة الوورد وأغلق أبواب الانتظار وأغلق كل شيء وأنام، لأصحو في اليوم التالي على بوكيه ورد وحفلة صغيرة تضمني بزوجي وابنتي.

في أول يوم في الثلاثين أنتبه لحب من لون آخر، في الثلاثين نستشعر الوحشة فقط لتغيير مفاجئ حل بحياتنا وتساقُط الكثيرين، الأمر إذًا ليس تشبُّثًا بالفرح، إنما فقط تشبث بحياة نعرفها وتعرفنا جيدًا، خوف من حياة غريبة بألوان مختلفة من الصداقات والحب، لكنك تستبدل كل هذا الزبَد بأصدقاء النضج ورفاق الحيوات الطويلة وبيت بزوج وطفلة.

عرفت أن ليلة استقبال الثلاثين لم تكن ليلة استقبال الوحدة كما ظننت، إنما كانت فقط آلام النضج لنرى في الصباح ما صار بأيدينا كعوض يفيض عما فقدناه.

آخر التحديثات على الفيسبوك:

– كل سنة وإنتي طيبة.. تاني.

– وإنتي طيبة يا حماتي.

المقالة السابقةكانت أرقامنا قياسية يا شلبي
المقالة القادمةالهروب من الواقع ورأي علم النفس فيه، هل هو مرض؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا