متستقويش نفسك

1381

زمان لمّا كنت طفلة صغيرة، كنت لمّا أزعل أو أقع أو حد يزعقلي، أكتم جوّايا، أكتم العياط ومتكلمش.. ظنًا مني إني كده جدعة وقوية،
كانت أمي تزعقلي وتقولي "طلعي اللي جواكي، هتموتي ناقصة عُمر ومحدش هياخد باله إنك زعلانة".

مسمعتش الكلام وكبرت وأنا بستقوى نفسي.. كبرت وفهمت إن اللي عيط ودبدب في الأرض وطلب مساعدة إللى حواليه لما تعب، هو
الصح، هو اللي أجبر الناس تخاف على زعله وتقدّر تعبه وتطيب خاطره وتساعده، فعاش قوي ومعموله حساب فعلاً، مش مستقوي ومن
جواه أكوام زعل وضيقة لأن محدش واخد باله.

متبقيش مضمونة
لمّا كبرت وأنا لسة بكتم جوايا وبحمِّلني فوق طاقتي ف كل حاجة، عرفت إن اللي استجدع بزيادة، وقبل العشم في كل العلاقات، من أول
الشخصية للصداقة مرورًا بالشغل.. شال الليلة لوحده، شال حِمله وحزنه ووجعه وتعبه لوحده، بقى مستباح وحق مكتسب للي حواليه
طول الوقت، بقى مضمون، وع الرف مركون.

وعرفت إن البني آدم اللين السهل حلو الطباع، على قد ما عشرته وصحبته حلوة وخفيفة ع القلب والروح، على قد ما بيكون ملطشة للي
حواليه، الحبايب قبل البُعاد، عشان هو لين ومرن فنيجي عليه وناكل حقوقه ونخليه ف آخر اهتماماتنا، وهو هيستقبل كل ده بسعة صدر.

بينما وبمنتهى الصدق.. البني آدم اللي بيعمل حدود لنفسه ومبيجيش عليها وبيتعامل بالورقة والقلم، ومترصد لأي هفوة أو تدخُّل ف
شؤونه لتحميله فوق طاقته، عشان يرد بجدية وحزم إنه مش مسموح.. هذا الشخص أثبتت الحياة إن بيتعمله ألف حساب وخاطر، والكلمة
معاه بتكون بطبطبة وحرص جدًا.

مش لازم تكوني لينة لطيفة ومضمونة ومستقوية طول الوقت.. اعرفي إن المعاملة بالمثل هي الطريقة المثالية لراحة البال.

إنتي مش المرأة الحديدية
الأم والأخت والزوجة اللي بتتحمل فوق طاقتها من تربية ورعاية وشغل وتسند كل عيلتها، محدش بياخد باله منها غالبًا إلا لما تقع تمامًا،
إنما كل لحظات العياط في المطبخ والحمام والبلكونة، محدش شافهم، كل زيارات الدكاترة وآهات التعب من المجهود محدش سمعهم،
لأنها كتمت ومبينتش، فمحدش سندها وقت الجد.. أو يمكن حصل، بس بعد فوات الأوان.

اللي استحملت في علاقة مع شخص بييجي عليها، وشايفها بتشيل عنه المسؤوليات من أصغرها لأكبرها، وهي بتضحك ومبينة إنها
مبسوطة وقادرة تشيل كمان، لأنها بـ100 راجل.. بتكتشف بعد شوية وقت إنها خلاص مبقتش قادرة، بقت مستنزفة ومُستهلكة نفسيًا..
ولمّا بتبص على اللي المفروض سندها، بتلاقيه مستغرب ومستنكر موقفها.. ما هي كانت شايلة وساكتة وراضية، وكأنه حق مكتسب
وفرض عليها.

متستقويش نفسك لأن إنتي مش "استرونج إندبندنت وومن"، إنتي بني آدم. آه جميل إننا نشيل مسؤولية نفسنا ومنبقاش عبء على حد أو
أنانيين، لكن الأجمل لمّا نقدّر نفسنا كويس، نعرف نقول امتى لأ، مش هقدر، أنا تعبانة، أنا محتاجة مساعدة، أنا دي حدود قدرتي النفسية
والجسدية.. لمّا نقدّر نفسنا فنحط حدود اللي قدامنا ميتخطهاش مهما كان أقرب الناس لينا.

حتى الناس اللطيفة جدًا ليهم حدود
الناس بتعتمد على العشم في النقطة دي، وتخترق خصوصيات وحدود بديهية جدًا إنها متنفعش.. لأنك مستقوية نفسك فإنتي في نظر الناس
طبيعي تشيلي شغل زيادة، وتستحملي طلبات خارقة للطبيعية، وتصحي كل يوم الصبح تشيلي همك وهموم كل اللي يعرفوكي.

القوة هي التعبير عن ضعفنا وتقدير نفسنا كويس في الوقت الصح، بدون ما نحملها فوق طاقتها بأي شكل من الأشكال، لأن رصيد القوة
والجدعنة بيقل ويتسحب من روحك وعقلك وطاقتك بالتدريج، لحد ما البطارية تخلص بدون ما حد يلاحظ.

حطي الناس ف أماكنها الصح بناءً على المواقف اللي مرت بيكم.. روحك هتتوجع الأول بس هترتاح بعد كده.. كلمة لأ هتطلع بثقة
وراحة نفسية مفيهاش ابتزاز عاطفي يحمِّلك ذنب مش ذنبك، لمجرد إنك مستقوية نفسك. كلمة نعم وحاضر هتطلع للناس الصح ف الوقت
الصح، فهتحسي إنك مرتاحة وبتعملي اللي تقدري عليه فعلاً، هتعرفي امتي تميزي بين العشم الجميل والمساعدة الحقيقية. كل الموضوع
مسألة وقت.. كل الأقنعة هتقع لمّا متستقويش.. وكل القناعات هتتغير.

وأخيرًا.. من حقك تتعبي وترفضي، متتعشميش ف حد يحس بيكي وإنتي راسمة إنك كويسة طول الوقت.. عشان شجرة العشم طرحت
إيه؟

المقالة السابقةإقبالنا على الفرص الثانية شجاعة أم عدم انتماء؟
المقالة القادمةالحدود في العلاقات العاطفية وغيرها
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا