ماذا فعل بي الختان؟

3122

أكثر من 14 يومًا وأنا أبدأ الكتابة يوميًا، أكتب مقدمة، ثم أمحوها لأبدأ من جديد. كل مقدمة من المقدمات الممحوة كانت تحمل استنكارًا أو وعظًا، أو… أو… أو… لكن في نهاية الأمر قررت أن أكتب ما أشعر به تمامًا، كنوع من أنواع المواجهة الحقيقية مع الذات. أفكر كيف يمكن لمعتقدات شخص ما، مهما كانت درجة قربه من شخص آخر، أن تؤثر في حياة ذلك الثاني! أفكر كيف أثرت معتقدات أمي في حياتي الشخصية، في علاقتي بالعالم من حولي، في نظرتي إلى نفسي وتقبلي لها!

 

الختان هو أسوأ ما فعلته أمي في. لكني لم أعد أحمل لها أي ضغائن. أقول “لم أعد”، لكني حتى وقت قريب كنت أحمل لها مشاعر تشبه الرغبة في الثأر، ويقين من أنها السبب في أغلب مشاعري السلبية وأغلب التجارب المؤلمة في حياتي.

 

ما زلت أذكر لحظة الصحو على الألم المرعب بين ساقي بعد الإفاقة من البنج، وعدم القدرة على التبول لدرجة حبس البول لساعات طويلة خوفًا من الألم. ما زلت أذكر قبلات الخالات والجارات اللزجة، والهمسات المقيتة، والوجوه التي أعتبرها الآن شامتة في طفلة لم تتجاوز السادسة، كأنهم يقولون لي “لقد أصبحتِ مثلنا ولا أمل لكِ في النجاة من تلك الدائرة الجهنمية”.

 

تعجبت في ذلك الوقت من سعادة أمي بألمي، وتوزيعها لأطباق الأرز باللبن وأنا أبكي، ومن قطعة القماش البيضاء الملفوفة حول معصمي. حذَّرتني أمي بحسم ألا أفكها عن معصمي ولا أفتحها. لكنني بالطبع تجاهلت التحذير وفككت القماشة، لأجد بداخلها قشرة حمراء أو قطعة جلد صغيرة متجلطة. لم أفهم تمامًا ما هي، لكنني أيقنت أن لها علاقة بكل الألم الذي أشعر به بين ساقي.

 

لا أذكر تمامًا الوقت الذي فهمت فيه معنى كلمة ختان، لكنني أذكر أنني وجارتي تحدثنا معًا في وقت ما، وفهمنا معًا معنى الكلمة، وماذا حدث تمامًا لنا، والسبب الذي جعلنا نمشي منفرجتي الساقين لأيام طويلة. وأدركنا سبب ذلك الألم “عشان منعملش حاجات عيب مع الولاد”. فهمنا أن تلك العملية التي أجريت لنا تمنعنا من العيب. لكن بعد سنوات أكثر أدركت أن تلك العملية ليست سوى لتجعلني لا أضعف أمام لمسات أو نظرات أو همسات الأولاد. هذه العملية في النهاية أجريت لأصبح “باردة”، ولا أطلب الجنس، حتى لا يغريني أحد، وحتى أستطيع تحمل بُعد زوج المستقبل عني لأي أسباب، دون أن أدور في الشوارع أبحث عن رجال أمارس معهم الجنس بدلاً منه.

 

كيف يمكن لعقل أن يفكر أن الرغبة تنبع من بين الساقين؟ كانت الرغبة تستبد بي تمامًا، من أي مشهد رومانسي، أو من قبلة في التليفزيون، أو من لمسة غير مقصودة، وكنت أفكر ماذا فعل الختان؟ لم يمنع أبدًا الرغبة الجنسية، سنوات طويلة جدًا وأنا أمارس العادة السرية عشرات المرات في اليوم الواحد، كأنني أقول لنفسي “لا.. أنتِ لست باردة جنسيًا”.

تعرفي على: زوجتي مختونه ماذا أفعل ؟ هل الختان ضروري

تغير الأمر كثيرًا بعد الزواج. كنت أظن أنني سأكون سعيدة وقادرة على الاستمتاع الجنسي، لكن ما حدث هو العكس تمامًا. سنوات طويلة من التمثيل المستمر. تمثيل المتعة، تمثيل النشوة، تمثيل السعادة.

 

سنوات طويلة أخشى أن أقول إنني لا أستمتع، ولا أرغب في الجنس أصلاً حتى لا أسمع الكلمة التي أخشاها “إنتي باردة”. هل يمكن لأحد أن يتخيل كيف خرب الختان حياتي بالكامل؟ كيف حوَّل لحظات المتعة المجانية والسعادة التي وهبها الله لنا للحظات من الألم والأفكار السوداء.

كيف تحولت اللحظات التي يفترض أن تكون أكثر اللحظات صدقًا وحميمية إلى أكثر اللحظات كذبًا وادعاء؟!

 

في النهاية وبعد ما يقرب من 20 عامًا من التمثيل انهرت تمامًا، واعترفت لزوجي في واحدة من الشجارات الكبرى في حياتنا قائلة له “أنا لا أستمتع ولا أحب العلاقة، حتى أنني أصبحت أخشى مجرد التفكير في الأمر”، وصارحت أمي أنها سببت لي الكثير من الألم، ربما دون أن تدري.

 

كانت الحقيقة مريعة، ولم تعد الحياة أبدًا بيني أنا وزوجي كما كانت. حاجز كبير من الصمت ارتفع بيننا. أعرف أن الأمر ليس بسيطًا ولا هينًا، لكنني للأسف لم أستطع العودة للوراء. لم أستطع معاودة تمثيل الرغبة والنشوة والسعادة. بعد الأربعين تتساوى أشياء كثيرة. أدركت أن الحياة لا تحتمل كل هذا الكذب. لم أعد أرغب سوى في التخفف من كل ما هو غير حقيقي. كل ما أرغب فيه فعلاً أن يفهمني زوجي، أن يدرك أنني لم أقصد قط أن يشعر بالألم أو الغضب. لكن كل ما في الأمر أنني لم أعد أحتمل ألا أكون نفسي.

 

أتساءل هل أنا أستحق أن يبذل معي جهدًا عاطفيًا ونفسيًا لإصلاح العلاقة بيننا من جديد؟

هل أنا السبب في كل الانهيارات التي حدثت بيننا؟

هل كان يفترض أن أستمر في التمثيل للأبد حتى تستمر الحياة في مسارها المرسوم؟

لا أملك إجابات، لكنني أملك تعاطفًا كبيرًا تجاه أمي وزوجي، وتعاطفًا أكبر مع نفسي، ويقينًا أنني لن أعود لتمثيل السعادة من جديد مهما كانت النتائج.

المقالة السابقةما هو ختان العقل؟ وكيف يتم إصلاحه؟
المقالة القادمةاكسرلها ضِلع
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا