بقلم/ مها متولي
"نساء ولكن" هي رواية للكاتبة نور عبد المجيد. يبدو عنوانها مثير بعض الشيء، إلا أنه موحي جدًا، فيجعل عقلك ينسج أكثر من قصة عن ماهية هؤلاء النساء، فنحن معشر النساء ذوات تركيبة معقدة من المشاعر. لدينا خلطة خاصة جدًا من المشاعر والأحاسيس تختلف حساباتها عن المنطق والواقع. هذا تمامًا ما شعرت به من خلال شخصية "نوال"، وربما هذا هو سبب كتابة هذا المقال عن "نوال" تحديدًا.
عن "نوال"
"نوال" في الرواية زوجة دكتور جامعي، يهيم كلامها بالآخر عشقًا، حياتهما يغطيها الحب ويزداد هذا الحب حلاوة عندما تزداد أسرتهما الصغيرة بقطعة من كليهما، هي "سميحة" الابنة الكبرى، فكان "دياب" يحمل عن "نوال" كل أنواع التعب، وتحاول "نوال" أن ترضي "دياب" بكل ما لديها من قوة، ويحاول الاثنان معًا أن ينشآ "سميحة" على الحب، ثم تأتي "رباب" إلى عالمهم.. "رباب" هي الابنة الثانية لـ"نوال" و"دياب"، وقد ولدت بمرض عقلي سيجعلها تنمو بجسدها فقط ويظل عقلها عند عمر ثلاث سنوات.
هنا تغيرت الحال. تصف الكاتبة حالة "نوال" وهي تبكي وتصرخ ورغبتها في ترك الصغيرة في دار رعاية، وعندما يرفض "دياب" تقرر تركه والرحيل. تصف الكاتبة إحساس "نوال" بالعجز، فهي تعجز عن تفسير نظرات ابنتها وبكائها، وتعجز عن التعامل معها، وكلما تراها ترى فشلها كأم، ويتفاقم إحساسها بالذنب وجلدها لذاتها، فقررت أن تهرب وتترك كل هذه الأوجاع وتنجو بذاتها.
عن ذاتي
كأم للوهلة الأولى استنكرت فعلة "نوال"؛ كيف لها أن تترك بنتيها وزوجها الذي يهيم بها حبًا؟ كيف لها أن تحرمهما من دفء أحضانها؟ كيف لها أن تترك المسؤولية على كاهل زوجها بمفرده؟ كيف لها أن تتزوج بآخر وتنجب صبيًا آخر تجعله ينمو ويزهر بين ذراعيها وفي دفء أحضانها؟ كيف لها أن تكون بكل هذه الأنانية؟! أين هي غريزة أمومتها؟ أليست هي غريزة واحدة تجاه كل أبنائها، بما فيهم ابنتها ذات الاحتياج الخاص؟ لماذا هدمت المعبد على من فيه وهربت؟ أهي إعاقة ابنتها السبب؟ بالطبع لا، فإذا كانت يدها معاقة هل ستتخلص من كل أعضاء جسدها؟
كأم أيضًا.. أتفهم ذلك الإحساس الذي جعلها تهدم المعبد على من فيه وتهرب، أتفهم تلك الفجوة بين إحساسنا بالمسؤولية كأمهات وإشفاقنا علي ذواتنا. أتفهم تلك الفجوة بين إحساسنا بالعجز وإحساسنا بالمسؤولية تجاه أرواح أخرى، نحن كل الحياة بالنسبة لهم. أتفهم رغبتنا في الانطلاق وقناعتنا بالتريث. أرى يوميًا تلك الفجوة بين كل مشاعري المتضادة، أراها وأعيها وأخشى أن أسقط فيها مثلما سقطت "نوال". ربما لهذا السبب اتجهت أصابعي للكتابة عن "نوال".
أكتب الآن وأنا أهدهد رضيعي وأداعب "مالك" قلبي وأتذكر المقولة التي بدأت بها "نور" روايتها لأختم بها مقالي:
"إن المرأة عندما تتحول إلى أم تصبح جنسًا ثالثًا، لا هو رجل ولا هو امرأة. ورائع حقًا أن تصبح من الجنس الثالث لكنه صعب.. صعب جدًا".