بقلم/ يمنى عبد العظيم
لست من محبي متابعة التليفزيون، ولكن حتمًا إن خرجت إلى أي مكان ستجد التليفزيون مفتوحًا وتلقط لقطات متقطعة من هنا وهناك.
لقطة (1)
مهما يكبر همك الله أكبر
لفت انتباهي إعلان لشركة اتصالات تنتشر في مجموعة بلاد عربية، تعرضت للكثير من الأحداث المؤسفة أدت إلى تهجير الآلاف، فذهب فريق الشركة لتصوير الإعلان في مخيم للاجئين، وبدأ الإعلان بإهداء لتلك البلاد التي تعمل بها الشركة "إلى من أصبحوا بغير مكانهم.. وأصبح مكانهم قلوبنا"، من المؤكد أن تلك الشركة تعرضت لخسائر كبيرة بسبب ما حدث ويحدث، لكنها قررت ألا تنسى عملاءها أو الذين كانوا عملاء لها.
ذهب فريق العمل مع مجموعة فنانين لغناء أغنية لهم تدعوهم للتمسك بالأمل واللجوء إلى الله. ما لفت انتباهي بساطة هؤلاء الفنانين في ملابسهم وتأدية الدور المطلوب منهم بتلقائية. وانتهى الإعلان برسالة تقول "حين تأخذ خبزك وتعطينا جوعك.. حين ترسم بسمة وتعطينا حزنك.. حين تأخذ غدًا وتعطينا أمسك، سيكون عالمنا جميلاً، نصوم عن السعادة حتى تفطر"، وفي الختام "مهما يكبر همك.. الله أكبر".
لقطة (2)
في أحد برامج النهوض بالمجتمع في جزئه الحادي عشر، خصصت الحلقة الثالثة لقضية اللاجئين، ذهب مقدم البرنامج لمخيم للاجئين، وفي نهاية الحديث قالت له الأم إنهم كانوا يتابعون برنامجه لما كانوا في بلدهم (قبل الحرب) فسألها عن آخر جزء شاهدته فردت: الجزء السابع، نحن لنا هنا 4 سنوات لا توجد كهرباء أو تلفاز، اليوم وصل البرنامج للجزء الكام؟ فصمت المقدم ورد بتباطؤ نحن نصور الجزء الحادي عشر، فقالت نعم 4 سنوات. ربما هذا أحد أسباب إنهاء البرنامج عند هذا الجزء ليكون الموسم الأخير.. ربما.
لقطة (3)
شفت ده؟!
قرأت التعليقات الغاضبة على إعلان يجلس فيه شاب يقول لوالده إنه بعد أن يأكل من ذلك المنتج "أنا بشوف المستقبل"، فيجلس الأب ويصفع ابنه بمنتهى القسوة واللا مبالاة ويرد "معقولة؟ شفت ده؟"، ظن أصحاب الفكرة أن المشهد مُضحك.
بعدها وأنا أنتظر دوري في العيادة وجدت فتاة لم تتعدى العشرة، ومعها أخوها الأصغر، حاول طفلين من نفس عمريهما الاحتكاك بهما فدافعت الفتاة عن أخيها وعن نفسها ودفعت الطفل بيديها.. وهنا تحوّل مرة واحدة ووضع يده اليسرى على خصره ورفع يده اليمنى ووجه لها إصبعه محذرًا "متعصبنيش عشان مش هتعرفيني"، وارتسم على وجهه ملامح حادة جدًا وقلب عينه.. ما هذا؟! تشعر كأنه يؤدي مشهدًا تمثيليًا، من أين أتى به؟! أو بالأحرى من أوحى إليه به؟! ربما يشاهده يوميًا في البيت، أو ربما أوحى إليه أحد أصحاب الأفكار النيّرة في تلك الإعلانات.
لقطة (4)
وكل شيء خلقناه بقدر
بعد 7 سنوات عاد الكارتون الشهير بعد توقفه عند الجزء التاسع. في البداية سعدت لأنني كنت أحبه وأنا عمومًا أحب كل شيء متعلق بطفولتي ودائمًا ما أحن إليها، فأنا ممن يبكون لافتقاد طفولتهم ويحنون لها. شاهدت الحلقة الأولى ثم الثانية، واتخذت قرارًا بألا أتابعه وأنسى ما رأيته. لن أحكم عليه فنيًا ولن أنقده. ربما تقولون إنني كبرت على متابعته وإنه يستهدف شريحة عمرية أصغر، أو إنني لم أشاهد سوى حلقتين، نعم هذا صحيح. وإنما الأمر يتعلق بي أنا، عاد الكارتون بالتقنية ثلاثية الأبعاد، المظهر الخارجي برّاق ولكن شيئًا ما مات، شيء ما ذهب ولم يعد. ربما طفولتي ربما براءة التليفزيون المصري واكتفاؤنا به قبل الفضائيات، ربما براءة أبطال الكارتون نفسه الذين عادوا ليجسدوا أطفال اليوم 2015 وليس طفولتي أنا.
هنا توقفت كثيرًا، وتذكرت جملة قالها أحد النقاد عن وفاة عبد الحليم حافظ، وهي أن عبد الحليم توفي في الوقت المناسب، وقتها شعرت أن ذلك الناقد لم يكن يحب عبد الحليم أو كان يعتقد أنه أعطى كل ما لديه وانتهى، إنما بعدها قرأت مقالة تشرح تجربة عبد الحليم الغنائية السياسية فكان صعود حليم مرتبط بعهد الاشتراكية، ولما انتهى عهدها لم يعد زمن الرأسمالية زمن عبد الحليم (ولهذا مات في الوقت المناسب) حيث ظل الناس يرددون إن "المرض خطفه في شبابه" فعاش شابًا في أذهان ووجدان الناس حتى يومنا هذا.
وهنا سألت نفسي، هل لو كل شيء انتهى من حياتي في فترة ما وحزنت عليه، هل كان سيظل بنفس غلاوته وقيمته لو بقي زمنًا طويلاً؟ هل حقًا كان من الأنسب أن يظل؟ أم أن كل شيء حقيقة له عُمر والمحظوظ هو من يغادر أو يتوقف في اللحظة المناسب.