“لا تطفئ الشمس” عن الحب أم الخذلان؟

1298

ياسمي

أن يجمع عمل فني بين اسمي إحسان عبد القدوس وتامر حبيب لهو أمر جلل بالنسبة لهؤلاء من يعشقون قراءة/ مشاهدة العلاقات الإنسانية والعاطفية المتشابكة، تلك التي يأتي أساسها الحب، لكنها في الوقت نفسه لا تخلو من الهجر، الفقد، الخيانة، والخذلان، كعادة الدنيا التي تحترف دَس السم في العسل وغلق الأبواب في وجوه أصحابها واحدًا تلو الآخر، حتى لا يصبح لديهم حل سوى التعلُّم من أخطائهم و/أو التجاوز إذا ما أرادو -بصدق- المُضي قدمًا.

 

مسلسل “لا تطفئ الشمس” يقدم لنا ذلك وبجدارة، رافعًا شعار “آفة حياتنا العلاقات”، إذ يدور حول أسرة مكونة من أرملة وخمسة أبناء، ستة خطوط محتملة للعلاقات التي لا تعكس بالضرورة خللاً مجتمعيًا بقدر ما تعكس ثغرات بنفوسنا نحن البشر.

في هذا المقال سنلقي نظرة على تلك العلاقات، وشقي الرحى الذي وضع كل بطل نفسه بينهما:

 

الأم

“إقبال”، الأرملة التي عاشت عمرها بأكمله مع رجل لا تحبه بعد أن وقفت الدنيا بينها وبين من تُحب، ورغم عدم وجود الحُب لكنها تستمر في زيجة بلا روح، فتنجب من الأبناء خمسة، وبعد حياة طويلة مع الزوج تنتهي بوفاته يُعاود الحبيب القديم الظهور، ليبدأ طلب ودها وحثها على فَتح الصفحة القديمة وتحقيق ما عجزت بالسابق عن تحقيقه، فإذا بها تجد نفسها تمامًا بالمنتصف بين ذكرى رجل رحل تاركًا لها خمسة أبناء ينوبون عنه، وحضور آخر لم يندثر الأمل من قلبه يومًا.

 

أحمد

الابن الأكبر، فتى مُطيع، جُبل على العادات والمتعارف عليه، يفكر دومًا داخل الصندوق، ما يجعله بعيدًا بمسافة كبيرة عن معظم إخوته الذين يعيشون الحياة حتى أقصاها. تتغير حياته بعض الشيء حين يتعرف على “شهيرة” التي تُنمي فيه ثقته بنفسه، فتجعله يخرج من شرنقته وتحبه رغم اختلاف شخصيتيهما، لكنه لا يلبث أن يعاود التقليل من نفسه راضيًا بالرجوع للهامش، فتتسع المسافة بينهما ثم يبتعد هو عنها دون مواجهة أو تصريح.

 

وهنا تدخل حياته “رشا” امرأة متحررة تكبره بسنوات، وبينما هي ترى فيه مجرد سلوى عن أخيه الذي رحل فجأة، يُترجم هو مفردات علاقتهما لمعادلة عاطفية من طرف واحد، سرعان ما تثبت فشلها وتنتهي برحيل “رشا” التي تُذيقه من نفس الكأس الذي أذاقه للفتاة الوحيدة التي أحبته بصدق.

 

أفنان

فيفي.. الابنة الكُبرى على مستوى البنات، هي فتاة لا تهوى سوى العلم، أحلامها لا مجال فيها للعاطفة، إذ أن كل ما تفكر فيه هو طموحها العملي، وبسبب جديتها المُفرطة بالحياة تشعر دومًا بالوحدة، خصوصًا مع إيمانها الخفي بأن الآخرين ينبذونها لأنها لا تُشبههم، ما يجعلها ناقمةً عليهم وعلى اختياراتهم الخاطئة -من وجهة نظرها- بالحياة حتى أنها تحاول أن تُخرِّب حياة كل من يساهم بقصد أو دون في إشعارها بالدونية فيما يتعلق بأنوثتها وجمالها الخارجي.

 

وبالرغم من كونها تُفضل البقاء وحيدة بلا أحد سواء كان أمًا أو إخوة أو رجلاً لكنها بسبب تلميح الآخرين دومًا أن ما من رجل قد يشتهيها تُقرر الموافقة على الخطبة من طبيب زميل يُحبها فعلاً، قبل أن تفسخ الخطبة من جهة لأنها لا تشعر بأي شيء تجاه هذا الرجل، ومن أخرى لأنها لا تستطيع تصديق أن يقع رجل بحبها فعلاً، بكل ما تحمله من قُبح يكاد لا يراه غيرها.

 

إنجي

تبدأ حياتها العاطفية بحب غير متكافئ اجتماعيًا وماديًا، ثم بعد سنوات يتم خذلانها فتُقرر الرحيل انتصارًا لكرامتها المجروحة، بعدها تُفكر أن عليها اختيار من يُحبها بدلاً ممن تحبه، والأهم أن يكون متناسبًا مع أفكارها ونمط حياتها، فتتزوج فعلاً من “يوسف” الذي سرعان ما يُلقيها كطُعم من أجل الإيقاع بثري لبناني يرغب بمشاركته.

 

تعترض الزوجة في البداية على ملاطفة ذلك الشريك لها، وحين لا يُثير الأمر حفيظة الزوج، تبدأ في التقرب فعلاً من هذا الرجل، الذي هو على استعداد لفِعل أي شيء من أجل إسعادها، مع الوقت تجد نفسها بين رجلين، الأول زوجها والثاني يُحبها ويُقدرها! ولأنها ليست خائنة بطبعها تعترف لزوجها بالحقيقة ثم تطلب منه الطلاق، في حين تُبعد عنها الرجل الآخر أيضًا، عساها تستطيع معاودة النظر لنفسها بالمرآة دون انتقاص أو احتقار.

 

آدم

هو ذلك الابن الذي يعشق التمرد، مُقتنعًا بأنه ليس عليه الانتماء للقطيع الذي لا يعرف سوى اتخاذ قرارات لا تُسعده لكنها تلقى القبول ممَن حوله، في المقابل يعيش لنفسه فقط فيفعل ما يحلو له رافعًا شعار “هذا أنا، وليذهب كل شيء آخر للجحيم”.

 

ولأننا نعيش بمجتمع يحترف التَدَخُّل فيما لا يعنيه تحت مسميات كثيرة لا أول لها من آخر، يقع آدم “ابن الناس الكويسين” في بورطة حين يُحب “حبيبة” ابنة عابدين وأخت الميكانيكي، ورغم اقتناعه التام بها واستعداده للتخلي عن حياته المُرفهة من أجلها لكن أهله يرفضونها جملةً وتفصيلاً، للدرجة التي تدفعه لادعاء الموت من أجل الحياة مع حبيبته في هدوء. مع مرور الأيام ينكشف الأمر وبقدر ما يسعد أهله لفكرة أنه لم يمت يحتاج بعضهم وقتًا طويلاً لمسامحته وقبوله من جديد كفرد منهم، في حين أن بعضهم الآخر يفشل في الغفران تمامًا مُتمنيًا لو أنه كان قد مات حقًا.

 

آية

الابنة الصغرى والمدللة من الغالبية، فتاة تدرس الموسيقى فتقع بحُب “هشام” أستاذها المتزوج والذي لديه ابن في نفس سنها تقريبًا، وعلى ذلك يقع بحبها هو الآخر فتنشأ بينهما علاقة سرية تمنح فيها “آية” كل ما يمكنها منحه من مشاعر و/أو تنازلات، في المقابل يمنحها الأستاذ بعض الوقت الذي يستطيع أن يسرقه خلسةً من زوجته.

 

رُبما هو يحبها فعلاً لكنه لا يجرؤ على المواجهة أو اتخاذ أي قرار مصيري كي يظلا معًا، حتى حين تعلم أسرتها بالأمر فيُهينونها ويتطاولون عليها قولاً وفعلاً، تهرب إليه لا تريد من الدنيا سواه، عارضةً بأن تكون زوجة سرية له وكفى، لكنه يخذلها فيختار زوجته، ويسألها الإذعان لأهلها. تُحاول “آية” معه مرات عديدة وحين يَتَمَلَّك منها العَجْز والفشل تُقرر قبول الزواج من “نادر”، الشاب الذي بإمكانه أن يحقق كل أحلامها فيما عدا حلم وحيد، هو أن يجعلها تحبه أو أن تنسى حبها الأول.

 

هنا يعاود أستاذها الظهور بحياتها رافضًا أن تكون لغيره، قابلاً أن يكون هو دومًا لغيرها كما يليق بوغد أناني يُريد لنفسه كل شيء، بالفعل تعود له “آية”، لكن مع الوقت شيئًا ما ينكسر بينهما، أو ربما هو النضج، فإذا بها تتوقف عن حُبه وتُقرر الرحيل، وحين يرفض ويتهمها بعدم القدرة على تجاوزه تُعاود طرح خيار أن ينتميا إلى بعضهما بعض بشكل رسمي وأبدي.. كالعادة يتحجج ويتهرَّب فترحل فعلاً، إلا أنها لا تلبث أن تكتشف سرًا ما بحياة زوجها يدفعها لتركه هو الآخر.

 

هكذا يعود البيت الذي انفرط عقده بالزواج وشُبهة الموت إلى الامتلاء من جديد بأبناء اختبروا من الحياة ما يكفي كي يعودوا إلى ملاذهم الأول تُذَيِّلهم خيبة الأمل والخذلان.

المقالة السابقةالابتزاز الالكتروني وضحاياه، كيفية التعامل معه ورقم مكافحة الابتزاز الالكتروني
المقالة القادمةإنهم يدينون البريك.. ويبررون الزواج الثاني
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا