لأننا لا ننسى أبدًا

753

 

بقلم/ فاطمة عادل

 

مرعبة فكرة أن الإنسان لا ينسى ماضيه، ولكنها الحقيقة، يستطيع الفرد تجاوز كل الذكريات والمرور عليها مرور الكرام من دون أن   تتكالب عليه الأحزان والدموع، يستطيع المُضي في الحياة بابتسامة صادقة كلما استرجع ماضيه بحلوه ومرّه، لكنه لا ينسى. لذلك يختلط الأمر على الكثيرين من الناس فهم يعتقدون أن تجاوز مراحل الحياة والمضي فيها يتطلب النسيان، آو على الأقل نسيان القبيح من الذكريات وعثرات الوقت، وهذا المعتقد غير صحيح على الإطلاق.

 

إن المرء لا ينسى، وقد خُدع من قيل له إن النسيان نعمة وإننا “نكبر وننسى”، فكيف ينسى الشخص غباء قراراته؟ وكيف يتسنى له نسيان إعاقته القلبية؟ كيف ينسى إيمانه القاطع بأنه على الصواب والطريق المستقيم طيلة حياته، ثم استيقظ في يوم ما وقد تغير العالم من حوله؟ كيف يستطيع نسيان جرح الماضي الذي تفاقم في صدره، أو تلك التجربة التي يا ليتها لم تكن؟

 

يعْسُر على ابن آدم أن ينسى كيف جمع أجزاءه من زوايا العالم، ثم عكف سنينًا يعيدها كما كانت، ولن يستطيع! ستظل الشروخ موصومة فيه لا تُمحى. ويشق عليه في نفس الوقت العودة إلى الكيان الذي كانه قبل أن يلقي بنفسه إلى التهلكة، معتقدًا أنه بهذه القفزة اللا مدروسة سيصل للسعادة.

 

أما الأسوأ من حقيقة عدم النسيان -عزيزي القارئ- أن البشر يتشبثون بكل ما أوتوا من عدم المنطقية بذكرياتهم المزعجة، يجترون -كجِمال الصحراء- سُمّها. يتحيّنون فرص الوحدة والليالي السود ليبدؤوا في استحلاب خلاياهم العصبية المرهَقة بالكم الهائل من الصور والمحادثات المؤلمة، ولأنهم على وضع التدمير الذاتي منذ بدء الخليقة، فإنهم يغرقون في بِرك دموعهم وينهارون تحت سابع أرض في جهنم من صنع ماضيهم.

 

فهذا الماضي المليء بكسرات القلب وتقلبات الظروف هو مصدر قوتهم في المضي والتقدم، وفي تجاوز كل ما يشق على الروح تحمّله، لذلك فإن الإنسان لا ينسى، إنك -عزيزي القارئ- لا تنسى. هذه الحقيقة، أحببتها أم لا، فاستحضار الذكرى المرة قبل الحلوة يزرع في الشخص قوة جبارة تكمن في تصنيف الناس في مجموعات تحت مسميات الطيبة والشر، تمكّنه من توقع نوايا الناس وإحسان الظن بهم. تذكر تفاصيل الحياة الجارحة، يجبر الفرد على الحذر من ألغام البدايات ثم تجنّب بعض النهايات. هذا ما يجعل الشخص يرفض النسيان مهما تمناه، وهذا ما يجعلك أنت أقوى.

 

قد خُدع من قيل له إن النسيان نعمة وإننا “نكبر وننسى”

 

المقالة السابقة2018 عامي الذي لن يتكرر
المقالة القادمةكلاكيت أول مرة.. 5 أفلام في حب التجارب الأولى
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا