كبرتي كده ليه؟

1563

تأثر غريب وعميق كنت بشوفه على وشوش ناس كتير لما أغنية عبد الباسط حمودة تشتغل، ويبدأ مع بحة صوت حزينة جدًا ينعي نفسه “ببص لروحي فجأة، لاقتني كبرت فجأة، تعبت من المفاجأة ونزلت دمعتي”، في الأول كنت بتريق على الأغنية، وأول ما تشتغل أردد بتهكم “يا عيني يا ابني”، كنت بستغرب إزاي الناس شايفينها أغنية حلوة وكمان مأثرة فيهم بالقدر ده! كنت وقتها ما زلت بدرس، والحقيقة مكانش عندي أدنى فكرة عن هذا العالم اللي بقيت واحدة من أهله لاحقًا، عالم الناس المتفاجئة، اللي بتبص لروحها فجأة، فتتعب من المفاجأة وتنزل دموعها قدام صورة أو ذكرى أو حتى بوست قديم الفيسبوك يفكرهم بيه، من سنة ولا اتنين، اللي عرفته خلال سنين قليلة بعد حالة السخرية العارمة دي إنه فعليًا بدون مبالغة إحنا بنكبر فجأة، بدون مقدمات.

 

في مصر الألقاب مربوطة عادة بالسن، يعني البنت اللي شكلها كويس ومهتمة بنفسها بيتقال لها “يا آنسة” حتى لو شايلة طفلها، والمبهدلة المتمرطة اللي شكلها بائس بيتقالها تلقائي “يا مدام”، أما بقى الست اللي الزمن داس عليها فبيتقال لها “يا حاجة”.

 

مش هنسى بصة واحدة ست ليّ وهي بتمدلي إيديها عشان أركب الميكروباص، مبصتش في وشها، لكن هيئتها العامة خلتني تلقائيًا قلتلها شكرًا يا حاجة، عشان أشوف بعد ما أطلع نظرة هي الأكثر بؤسًا على الإطلاق، على طريقة “حرام عليكي ليه تكسري بخاطري!”، فعلاً مكانتش كبيرة وأقصى تقدير لعمرها ميزدش عن تلاتين، لكن كم التعب والشقاء على وجهها وكم البهدلة اللي هدومها فيها تخلي ناس كتير يقولولها اللقب المرعب اللي تم تفريغه كليًا من معناه الطيب وأصبح مرادف للعجز عند ناس كتير.

 

فجأة بتنتقلي من مرحلة كل همومك فيها الدراسة والنجاح آخر السنة، ودي مرحلة عادة بتشتكي منها مر الشكوى وبتشوفيها آخر الكون في أوقات كتير، لمراحل تانية مرعبة حقيقي، كنتي بتشوفيها من برة وعمرك ما حاولتي تدخليها، أو حتى تتخيلي نفسك فيها: شغل لساعات طويلة، بيت وأسرة، زوج، وأولاد، وحطي تحت أولاد مليون خط، فجأة الهموم بتكتر، فجأة بتحسي إنك مش ملاحقة، اليوم بيخلص قبل ما يبتدي، جهدك وجسمك ووقتك وروحك وعقلك وكلك لناس تانية، إنتي اللي بتختاري التقسيمة، كل طرف من الأطراف دي هياخد منك قد إيه، النتيجة إنه مبيفضلش منك حاجة في أوقات كتير مهما قلتي هخلي بالي.

 

الموضوع بيبدأ بملاحظة بسيطة كل يوم الصبح “أنا شكلي تعبان قوي”، بعد شوية الموضوع بيكبر ويبقى “أنا شكلي كبر قوي”، لكن بيفضل الموضوع مجرد ملاحظة لحد ما يجيلك التعليق القاتل “إنتي كبرتي كده ليه؟” من حد برة دايرتك، أو حتى من طفل صغير يتكلم بصراحة ويقولك إنتي عجوزة يا طنط، فجأة وعلى طريقة الشاعر مصطفى إبراهيم “تيجي الخبطة في دماغك.. فتنسى إنت اسمك إيه وسنك كام وعنوانك”.

 

في اللحظة دي بتفتكري كل الستات اللي كنتي بتشوفيهم في الشارع وبتديهم ألقاب مجانية زي حاجة ومدام وست، وتبدأي تعيدي نظر في كل وش تشوفيه وإنتي ماشية، تبدأي تحاولي توصلي لتقدير حقيقي لأعمارهم، تعرفي إنتي قد إيه ظلمتيهم ووجعتيهم لما ادتيهم ألقاب مش مناسبة لسنهم، فجأة هتحسي بيهم قوي.

 

في الشارع بدأت أركز في وش كل ست أشوفها، وأحاول أفهم سبب إنهاكها، سواد شديد حوالين عينها لأنها مبتنامش، جلد باهت لأنها مش لاقية وقت تاكل أكل صحي، لون بشرة مغمق وناشف من النقعة في الشمس، خصوصًا الستات اللي في السوق، جسم مترهل عشان مفيش حماس لرجيم، وغالبًا اكتئاب، خطوط حوالين العين والفم بسبب انفعالات كتير وريق بينشف من الزعيق والمهاتية، بقيت أتعاطف مع كل ست أبص في وشها، وأحس قد إيه هي متبهدلة وكبرت فجأة، زي ما بقيت أتفاعل مع عبد الباسط لما يغني أغنيته الشهيرة وأصبَّر نفسي زي ملايين بيقولوا كل يوم قبل النوم “معلش.. بكرة هبقى آخد بالي من نفسي”.

 

الحل الحقيقي مش هيحصل غير لما تبطلي تسويف، مفيش حاجة اسمها هحاول، لأنها هتفضل مجرد أمنية لحد ما تلاقي نفسك بتقولي بأريحية “خلاص راحت عليّ”، لازم تبدأي فورًا وحالاً تاخدي بالك من نفسك، البداية دايمًا مع هدوم جديدة، حوّشي، ادخلي جمعية، اعملي أي حاجة، بس لازم يكون ليكي هدوم جديدة تلبسيها حتى لو في المناسبات.. ودي البداية.

 

واقي الشمس مفيهوش هزار ولا رفاهية، المسألة كلها إنك هتعجزي بسرعة جدًا وبشرتك هتبوظ وتبقي شبه العواجيز كل ما هتتعرضي للشمس اللي بتسحب شبابك ونضارتك وتحولك لست كبيرة تتفاجئ من منظرها كل ما تبص في المراية، واقي الشمس حل سحري ومنسي في نفس الوقت، ميقلش أهمية عن مزيل العرق أو عن الملابس الداخلية، حاجات مش متشافة لكن متقدريش تستغني عنها أبدًا.

 

جسمك مسؤوليتك الخاصة، حاولي تختاري نظام أكل يناسبك بعد ما تراجعي وزنك وحالتك الصحية، لو محتاجة فيتامينات لازم تبدأي تظبطيها، مفيش حاجة اسمها أكل عشوائي، فيه حاجة اسمها نظام وطريقة تخلي بيها بالك من نفسك، لازم تبدأي فورًا عشان الموضوع مفيهوش هزار.

 

جسم متناسق، وريحة كويسة، وبشرة نضرة، وهدوم حلوة، ده ألف باء المحافظة على النفس، لما تبصي في المراية مش هتلاقي الوضع بالسوء اللي يخليكي تحسي بالكبر والعجز، خطوات العناية بالنفس كتير وليها مراحل، مش مهم تقطعيها كلها، المهم تبدأي.

المقالة السابقةالجانب الروحي للـ”دلع”
المقالة القادمةتيجي نحلم بوضع هادي ورقصة لاتنين؟
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا