ميه ميه كانت هتفرق في الوداع! اللحظة الأخيرة

1347

” لو كنت عارف إن دي المرة الأخيرة
مية مية كات هتفرق ف الوداع”*

كم مرة انتظرت الفرصة الثانية التي سوف تغتنمها؟ كم مرة قلت لنفسك “الجايات أكتر م الرايحات”؟ كم مرة قررت أن تضحي بخروجة أو أكلة أو مكالمة هاتف أو كلمة تقدير أو طلب بسيط أو شراء شيء ما وقلت لنفسك إنك سوف تفعل هذا لاحقًا؟ كم مرة تسربت الأيام من بين أصابعك ولم يأتِ هذا اللاحقًا؟

كم مرة لم تكن تعرف أن هذه هي فرصتك الأخيرة، وأنه لا فرصة ثانية، وأن ما لم تفعله الآن لن تفعله أبدًا؟

في فيلم “أمريكان بيوتي” كان “كيفن سبيسي” رب أسرة تعيسة، لأنه فقد شغف علاقته بزوجته، وفقد حب ابنته واحترامها، وفقد وظيفته، ولم يشغل باله إلا الإعجاب بفتاة مراهقة كانت زميلة ابنته في المدرسة. كان يفعل كل شيء كي يلفت نظرها وهو يرى علاقاته المهمة بأسرته الحقيقية تنهار. افتعل الكثير من المشكلات ولم يلق بالاً لما يحدث حوله في منزله وبين أفراد عائلته. كان يحبهم، وتجلَّى هذا في أكثر من مناسبة وأكثر من نظرة لابنته، التي لا ترى فيه سوى مصدر إحراج دائم لها، وحتى زوجته التي كانت تخونه كان لا يزال يُكِن لها مشاعر حقيقية تحت ركام رتابة الحياة، وكان يود لو استطاع تجديدها.

تتصاعد أحداث الفيلم الحزين رغم سخريته الواضحة، ورغم أنه يجبرك على الضحك أوقاتًا كثيرة من تصرفات الأبطال العشوائية، المفرطة في الأنانية، إلى أن تصل للنهاية، التي دون أي كلمات تخبرك أنه على عتبة اختيارات جديدة، وأنه يحب عائلته التي تحتل الصورة التي ينظر إليها بحنين، تدرك أنه فهم أن عليه أن يبذل مجهودًا أكبر ليستعيد ما فقده. تستبشر خيرًا بابتسامته الحنون وتعرف أنه سيغتنم فرصة أخرى لتصليح ما يمكن أن يصلحه، ثم تخترق الرصاصة قلبه لتنهي حياته وتقضي على فرصته الثانية التي ضيَّع الوقت في انتظارها.

لم تمهله الحياة وقتًا ليغتنم فرصة أخرى، تصدمك هذه الحقيقة، ماذا لو أن كل الأشياء المؤجلة في حياتي لن أستطيع إنجازها أبدًا؟ ماذا لو أن علاقاتي بأفراد أسرتي الذين يهمونني أكثر من أي شيء لن أجد وقتًا كافيًا لتدعيمها؟ ماذا لو أن تغييري لمجال عملي الذي أظل أؤجله حتى أدخر ما يكفي لتأمين مغامرتي في البحث عن عمل آخر في مجال آخر لن يحدث أبدًا؟ ماذا لو لم تمهلني الأيام فرصة لألعب مع طفلي الذي أستقطع من وقتي معه للعمل الذي يؤمن له حياة أفضل؟

وحتى الأشياء الأقل أهمية.. رغبتك في أكلة معينة لا يجب أن تؤجلها، ربما تصاب بمرض يمنعك من مكوناتها، كوب القهوة الذي أجلته من أجل نشر الغسيل لن يفسح لك اليوم مجالاً لشربه في وقت متأخر، الهاتف الذي لم تشترِه اليوم وفضَّلت أن تدخر ثمنه سوف يرتفع سعره ولن يكون بإمكانك شراؤه لاحقًا، اللون المجنون الذي ترغبين فيه لشعرك لن تتمكني من صبغه لمدة عام على الأقل لأنك سوف تصبحين حاملاً وكيماويات الصبغات مضرة مع الحمل. حتى العتاب.. عدم عتابك لصديقك وابتلاعك للمشكلة التي حدثت بينكما سوف يجعله يتجاهل مشاعرك ولن يكون بإمكانك إفهامه ما تريد، وسيستمر في معاملتك بنفس الطريقة، حتى حنفية المطبخ التي أجلت إصلاحها والتي كانت ستكلفك جلدة حنفية فقط أصبحت الآن مشكلة كبيرة ستتكلف إصلاح سباكة الشقة كلها ببضعة مئات من الجنيهات وربما أكثر.

الفرص الثانية التي تنتظرها ربما لا تجيء أبدًا، وإن جاءت ربما لن تكون بنفس الطعم والرائحة، نعم من حقك فرصة أخرى، من حقنا جميعًا فرص أخرى، ولكن أن تعول عليها وتظل تؤجل كل شيء في انتظارها لن يمنحك إياها على وجه التأكيد، لأنه لا ضمانات، فإذا كان انتظارك للفرصة الثانية ليس إجباريًا وحتميًا فلا تضيع فرصتك الأولى.

أنا لا أريد أن أحبطك، ولا أريد أن أخبرك أن الفرص التي تضيع لا تأتي مرة أخرى، أنا أتحدث معك عن احتمالية موجودة لا يمكن إنكارها، وهي أن الوقت أو ظروف الحياة يمكن ألا تمنحنا فرصة أخرى، الفرصة الثانية حقيقة ولكنها ليست حقيقة مؤكدة، كما هي الحال مع كل شيء آخر في حياتنا، ولذلك -أرجوك- حاول أن تغتنم فرصتك الأولى، لعل الفرصة الثانية لا تأتي.

“يا ناس يا عبط يا عشمانين في فرصة تانية للقا
بطلوا أوهام بقى وكفاية أحلام واسمعوا
عيشوا المشاهد كل مشهد زي ما يكون الأخير
واشبعوا ساعة الوداع واحضنوا الحاجة بضمير
ده اللي فاضل مش كتير..اللي فاضل مش كتير”*

المقاطع ذات علامة * من قصيدة “كانت هتفرق في الوداع” للشاعر مصطفى إبراهيم.

المقالة السابقةكسر سجن الخزي
المقالة القادمةمشاهد من حياة مريضة بالاكتئاب
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا